تخيلت أن الرجل سيلقي كلمة رتيبة مملة مكتوبة مسبقاً ومعدة سلفاً شأن كل المسؤولين الذين يتحدثون في المؤتمرات والمناسبات الرسمية، لكن الرجل خيّب ظني وارتجل كلمته، وظهر ساعتها هادئاً مرتب الذهن والأفكار، يعرف ما يقوله جيداً، متحمساً لأفكاره.
ساعتها تحدث "بابا جان" عن أرقام وبيانات وخطط واستراتيجيات متوسطة وطويلة الأجل من دون أن ينظر في ورقة أمامه، تحدث عن أحلام تمناها لبلاده، ولم ينس أن يؤكد أن هذه الأفكار ليست خيالاً بل سترى الواقع والنور في المستقبل القريب.
وعلى مدى 45 دقيقة استمعت للرجل بإنصات شديد وتركيز لم أتعود عليه بالنسبة لكلمات المسؤولين، لأن "السرحان" كان سيفقدني الكثير من الأفكار.
في كلمته راح "علي بابا جان" يتحدث عن تركيا المستقبل والحلم، تركيا الفتية في عام 2020 وما بعدها، تحدث عن خطة بلاده في التحول لواحد من أكبر الاقتصادات الصناعية الكبرى، بل وواحد من أكبر الاقتصادات حول العالم بحلول 2020.
تحدث عن تركيا الأكثر جذباً للاستثمارات الأجنبية والسياحة حول العالم، تركيا ذات القاعدة الصناعية الضخمة التي تؤهلها لمنافسة الصين وألمانيا وأميركا واليابان في الصادرات الخارجية، تركيا صاحبة أكبر شركات مقاولات وبناء وتشييد حول العالم، تركيا عاصمة التمويل الإسلامي والمركز الرئيسي للصيرفة الإسلامية.
وقتها لفت نظري تكرار الرجل لكلمة تركيا عشرات المرات في خطابه، أو لنقل كلمته المرتجلة.
من ساعتها رحت أتابع مسيرة الرجل الاقتصادية، وأتتبع خطواته، وعندما غاب عن الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها بداية شهر يونيو/ حزيران الماضي عقب إبداء رغبته في اعتزال العمل السياسي وضعت يدي على قلبي، وقلت إن حزب العدالة والتنمية فقد واحداً من أبرز صانعي سياساته الداخلية والخارجية، بل وصانع السياسة الاقتصادية الأول في البلاد.
وعندما عاد ليعلن أنه سيخوض الانتخابات البرلمانية التي جرت أول من أمس قلت إن ثقة المستثمرين والأسواق المحلية ستعود سريعاً إلى تركيا، حيث يمثل الرجل صمام أمان للمؤسسات الدولية والمحلية على حد سواء، وهو ما حدث بالفعل.
"علي بابا جان" تخرج من كلية تيد في العاصمة أنقرة عام 1985، ودرس في جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة 1989 وحصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الصناعية، توجه إلى الولايات المتحدة لاستكمال تعليمه بمنحة من مؤسسة فولبرايت، وفي عام 1992 حصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من معهد كيلوغ للإدارة في جامعة نورث في ولاية الينوي.
اقرأ أيضاً: الاقتصاد ورقة الانتخابات التركية الرابحة
دخل السياسة في عام 2002 حيث كان أحد المؤسسين لحزب العدالة والتنمية وعضو مجلس إدارته، انتخب عضواً بمجلس النواب بعد فوزه بمقعد عن مدينة أنقرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، وبعدها مباشرة عين وزيراً للشؤون الاقتصادية، وكان أصغر عضو في مجلس الوزراء حيث كان عمره 35 سنة.
وتولى حقيبة الاقتصاد في معظم فترة حكم حزب العدالة والتنمية المستمرة منذ 13 عاماً، وساهم في إصلاح الاقتصاد التركي المهترئ والمنهار قبل عام 2002، وحقق الانتعاش الاقتصادي لبلاده بعد سنتين فقط من مباشرة عمله بعد سنوات من الأزمات الطاحنة التي عانتها البلاد وقت الحكومات الائتلافية.
وفي 24 مايو/ أيار 2005 أعلن رئيس الوزراء حينئذ رجب طيب أردوغان تعيينه في منصب كبير المفاوضين في محادثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
ولأنه أدرك مبكراً ان الخلافات السياسية يمكن أن تنعكس سلباً على المشهد الاقتصادي حاول دائماً الابتعاد عن الساحة السياسية والتركيز على ملف الإصلاح الاقتصادي والمالي لبلاد، ولذا كان من أشد المؤيدين لضرورة تعزيز استقلالية البنك المركزي التركي ليظل بعيداً عن الخلافات السياسية، ويدير سياسته النقدية من مكافحة التضخم وإحداث استقرار في سوق الصرف بعيداً عن إدارة السياستين المالية والاقتصادية التي تتولى الحكومة إدارتهما.
"علي بابا جان" من أشد المتحمسين لأفكار وطروحات مستقبلية كثيرة منها حاجة الاقتصاد التركي لزيادة الإنتاج والصادرات الخارجية، وخاصة ذات القيمة المضافة، وخفض استيراد الطاقة التي تستهلك جزءاً كبيراً من النقد الأجنبي، وهو ما سيساعد في تقليل الضغط على النقد الأجنبي، وبالتالي تضييق العجز في الميزان التجاري التركي.
إذا كان الأتراك يطلقون على أحمد داود أوغلو لقب ثعلب السياسة الخارجية التركية، فإن علي بابا جان هو ثعلب السياسة الاقتصادية التركية ومحركها الأول طوال السنوات الأخيرة.
اقرأ أيضاً: ارتفاع قوي لليرة التركية وبورصة إسطنبول غداة الانتخابات