"عقيدة الصدمة".. عصا السيسي السحرية لتمرير قوانينه وقراراته

21 يوليو 2015
+ الخط -

داخل أحد معامل جامعة ماكجيل الكندية، قام الدكتور ايون كاميرون، رئيس قسم الطب النفسي، بعدة تجارب لعلاج مرضاه المتدهورة حالتهم بما عُرف بـ"العلاج بالصدمة"، عبر تعريض المرضى لصدمات كهربائية، تعمل على مسح ذاكرتهم كخطوة أولى، يتبعها عملية زرع أو كتابة تاريخ جديد للمريض، إذ تسمح حالة الصدمة تلك، بفقدان المريض اتزانه وإدخاله في حالة تشويش، يمكن بعدها التحكم به كيفما شاء.

بالرغم من توقف كاميرون عن تجاربه بعد تدهور صحة مرضاه، قام أحد أساتذة الاقتصاد، ويدعى ميلتون فريدمان، بتبني هذه النظرية محاولاً تطبيقها في علم الاقتصاد، مفترضاً أنه يمكن تحويل اقتصاديات الدول إلى الرأسمالية البحتة أو غير المقيدة، (من النظريات الاقتصادية التي توصف بأنها ضد مصلحة الفقراء)، على أن يتم ذلك في أعقاب كارثة كبرى، تفقد الشعوب اتزانها، وتسلب قدرتها على إدراك التسلسل الزمني للأحداث، إذ ينصب تركيز الناس في هذا الوقت، على خوفهم من الحالة الطارئة، أكثر من اهتمامهم بحماية مصالحهم.

رصدت الصحافية الكندية، نعومي كلاين، هذه الظاهرة في بحثها عقيدة الصدمة، والتي أوردت فيه ما قام به تلاميذ فريدمان في كل من تشيلي والأرجنتين والعراق، وغيرها من الدول، باستغلال الصدمات أو الكوارث الكبرى (الطبيعية أو المفتعلة)، في تحويل اقتصاد هذه الدول إلى الاقتصاد الرأسمالي البحت، أو بالأصح عملية نقل الثروات الهائلة من القطاع العام إلى أيدي الشركات والأفراد في الداخل والخارج، ما يعده اقتصاديون بمثابة إعلان حرب مفتوحة وقذرة على فقراء تلك الدول.



عندما يدخل الناس في حالة الخوف من الإرهاب سيضطرون إلى قبول أي شيء

في تمام الساعة الواحدة ظهراً من يوم الجمعة 24 أكتوبر/تشرين الأول عام 2014، قامت مجموعة من أفراد تنظيم "أنصار بيت المقدس"، (تغير اسمه إلى "ولاية سيناء" بعد مبايعة داعش)، بشن أكثر العمليات الإرهابية دموية في سيناء، بالإغارة على كمين كرم القواديس الأمني بمدينة الشيخ زويد، بواسطة شاحنة محملة بالمتفجرات يقودها انتحاري، تبعها عدد من عربات الدفع الرباعي قامت بالاشتباك مع القوة المتبقية في موقع الكمين بالأسلحة الثقيلة وقذائف الآر بي جي، وقاموا بتدمير أحد الدبابات وناقلة جنود، مما أسفر عن استشهاد قرابة 30 من جنود القوات المسلحة.

بعد هذه العملية بساعات أصدر السيسي قراراً باعتبار المنشآت العامة منشآت عسكرية، وأن تحال الجرائم التي ترتكب ضد هذه المنشآت إلى النيابة العسكرية، ما يُعد توسعاً كبيراً في اختصاصات المحاكم العسكرية، ويُهدر حق المتهمين المدنيين الدستورية، في رد فعل عكسي على العملية الإرهابية، إذ إنه من المنطقي أن يتم إعفاء الجيش من أي أعباء مدنية للتفرغ لمواجهة الإرهاب في سيناء، إلا أن ما تم تمثل في استغلال الحادث الإرهابي في إحكام القبضة الأمنية والعسكرية على الدولة.

بعد هذا القرار بقليل، قامت قوات الجيش بإخلاء الشريط الحدودي برفح المصرية، من سكانه تمهيداً لإقامة منطقة عازلة، وبغضّ النظر عن معاناة سكان هذه المنطقة بعد قرار الإخلاء المفاجئ وتدهور حالتهم وشتاتهم، إلا أن نفس القرار، كان الإعلام المصري، قد هاجمه إبان فترة حكم محمد مرسي، واصفا إياه على أنه مخطط أميركي إسرائيلي، يضمن أمن إسرائيل.

تعمل الصدمات على إفقاد الناس التسلسل الزمني للأحداث

في مساء يوم الخميس الموافق 29 يناير/كانون الثاني من عام 2015، قامت مجموعة من تنظيم "أنصار بيت المقدس"، بعملية إرهابية لاستهداف استراحة ضباط الأمن بشمال سيناء ومبنى مديرية الأمن بسيارات مفخخة، وكذلك الكتيبة 101 بقذائف صاروخية، في هجوم كان هو الأوسع في انتشاره والأكثر دقة في تنظيمه والأكثر في ضحاياه، والذين قدروا بأكثر من 30 شهيداً.

تبعت هذه العملية مجموعة من القرارات السياسية والاقتصادية شديدة القسوة، بجانب إجراءات انتقامية قامت بها قوات الشرطة المصرية، التي وجهت ضربة انتقامية لمجموعات الأولتراس، والتي تناصبها العداء منذ زمن طويل، قبيل مباراة الزمالك وانبي أمام أستاد الدفاع الجوي، راح ضحيتها 22 من شباب الأولتراس، وقد اتهمت المجموعات قيادات وزارة الداخلية بالاشتراك مع مرتضى منصور للانتقام منهم بعد عدد من المواجهات والاعتداءات المتبادلة بينهم وبين الشرطة ومنصور.

أعقب ذلك إصدار السيسي قانون الكيانات الإرهابية، والذي صدر في ثوب فضفاض يمكن استغلاله سياسياً في ضرب أي تنظيم ليس على هوى النظام. كما قام السيسي بإصدار قرار برفع الضرائب على السجائر بنسبة 50%، وذلك في محاولة لمعالجة عجز الموازنة بنفس الطرق التقليدية التي لم تؤدّ إلا إلى زيادة الأعباء على الفقراء.

كلما اشتدت الصدمة، أصبح التغيير أكبر وأسهل

مع تصاعد عمليات العنف واشتدادها، تصاعدت ردود أفعال النظام واستغلاله لها، ففي مدة وجيزة نجح الإرهابيون في قتل النائب العام باستهداف موكبه بسيارة مفخخة، تبعته عملية موسعة وكبرى لإرهابيّ ولاية سيناء داخل مدينة الشيخ زويد، باستهداف 15 كميناً أمنياً ومهاجمة قسم الشرطة وتلغيم الطرق المؤدية إلى المدينة، مما أدى إلى استشهاد عدد كبير من الضباط والجنود تباينت التقديرات حوله، وذلك قبل أن تقوم القوات الجوية بتصفية المهاجمين، وتلا هذه العملية استهداف القنصلية الإيطالية بوسط القاهرة بسيارة مفخخة، وكذلك استهداف كمين أمني في طريق القاهرة السويس بسيارة مفخخة أيضاً، ثم استهداف قطعة بحرية بصاروخ أدى إلى إحراقها وفق صور بثها تنظيم ولاية سيناء.

ماذا عن رد فعل النظام؟

جاء الرد بتصفية 9 من قيادات جماعة الاخوان قال النظام إنهم قاوموا قوات الأمن بأسلحة نارية، وهو ما نفته الجماعة ومصادر أخرى مؤكدة أن المجتمعين مسؤولون عن إدارة عمليات الإعاشة للمحتجزين من أفراد الجماعة، ورعاية أسر الشهداء.

بموازاة الانتقام من الإخوان، أقر السيسي موازنة عام 2016 والتي عبرت عن استكمال حربه على الفقراء، بتحميلهم ما قام بتخفيضه من ضرائب الدخل وضرائب البورصة، عبر تخفيض الدعم المقدم للفقراء.

ثم أصدر عدداً من القرارات والقوانين الكارثية على مستقبل مصر وأمنها، منها السماح للجيش والشرطة والمخابرات العامة بإنشاء شركات للأمن والحراسة، مما جعل الكثير من السياسيين يعبّرون عن تخوفهم من تحول ذلك إلى عملية خصخصة للأمن الذي يعد من مسؤوليات الدولة، كما قام باستصدار قانون حصل بموجبه على حق عزل رؤساء الهيئات الرقابية، والذي يضرب مبدأ الفصل بين السلطات في مقتل، كما أنه يُعد مخالفة صريحة لنص الدستور، فضلا عن طرح المسودة الكارثية لقانون الإرهاب تمهيداً لإصداره، وتعبّر تلك المسودة عن نية النظام في إخراس كل صوت يُخالفه، وتسخير الدولة بكامل مؤسساتها وهيئاتها لخدمته وطاعته تحت دعوى الحرب على الإرهاب.

كذلك قرر محافظ القاهرة تهجير منطقة ماسبيرو من السكان (بسطاء يقطنون منطقة مرتفعة الثمن في سعر الأرض)، بالرغم من إعلانه المسبق عن رفضه التام لهذا القرار.

هكذا استطاع السيسي خلال عام كامل أن يمرر كل قوانينه وقراراته الكارثية والمعادية للغالبية العظمى من الشعب، عبر استغلال الأحداث الكبرى، والتي تولّت إلهاء أغلبية الشعب عن مصالحه.

-------
اقرأ أيضاً:
خلفاء «غوبلز» في الإعلام المصري