"عدو" في مسرح الحرية

16 يونيو 2014
مشهد من المسرحية
+ الخط -

جلست الخمسينية أم حميد، من سكان مخيم جنين، في آخر صف من مقاعد "مسرح الحرية". إنها المرة الأولى التي تدخل فيها المسرح رغم وجوده في مخيمها. وبينما كان الضوء ينسحب بهدوء من الوهج الى العتمة إشعاراً ببدء العرض، قالت أم حميد بصوت غير واثق مما سيعرُض: "أتمنى أن تكون المسرحية جيدة".

بدأت مسرحية "عدو" بسؤال الجمهور عما إذا كانوا يريد معرفة الحقيقة، تبعته جملتان مقتضبتان: "أسوأ العميان من لا يريد أن يرى" و"لو كان جسدي بلداً لكنت فلسطين".

"المسرحية بُنيت على أسطورة إغريقية تتحدث عن راهبة في معبد أثينا اسمها مادوسا، تم اغتصابها من الإله برسيوس. وبدل أن تعاقب الإلهة أثينا برسيوس عاقبت مادوسا"، يقول نبيل الراعي مخرج المسرحية.

ومادوسا في مسرحية "عدو" هي فلسطين، أما المغتصب فهو الاحتلال، والعالم كله عاقب فلسطين لا الاحتلال. هذا جزء من خطاب المسرحية، والجزء الآخر يندمج في القصة ليحكي عن عدو كبير، أكبر حتى من الاحتلال ذاته، وهذا العدو هو الفلسطينيين أنفسهم.

 يضيف الراعي: "صرنا أعداء أنفسنا من اللحظة التي أخذنا فيها أول كيس طحين وعلبة سكر من الأمم المتحدة. لم ندرك خطورة الموضوع، لم نسأل إن كانت الهيئة ذاتها شريكاً في لعبة الاحتلال الكبرى". يغيب في صمت طويل قبل أن يجزم قائلاً: "اليد التي أطعمتنا الخبز عدونا، وأيدينا التي تناولت عدونا".

ولم يكن عبثاً أو صدفة أن تبدأ المسرحية بسؤال، بل كان العرض كلّه يحرّض على الأسئلة: إلى أين يقاد الشعب الفلسطيني؟ من هو العدو الكبير، ذاك الظاهر أم المتخفي في كل واحد منا؟ ثم من الذي أعطى الحق بإصدار الأحكام؟ 


كانت الأبواب المفتوحة عنصراً رئيسياً فوق الخشبة، يطوّق فيها البطل المفترض أي ضحية يريد، دون أن تنتبه الضحية أن جدران سجنها أبواب مفتوحة. ولم يجرب الضحايا الخروج من سجنهم لأنهم غير جاهزين للتضحية أصلاً. يقول الراعي: "نحن مسرح واقعي، والواقع لا ينسلخ عن السياسة".

نبيل الراعي المخرج الرئيسي في "مسرح الحرية"، بعد اغتيال مدير المسرح جوليانو خميس قبل ثلاث سنوات في مخيم جنين على يد مجهولين. وهو يتفحص ملياً كل نص يعرض على المسرح.

وأثناء العرض بدأ شابان من الجمهور بتوجيه لكمات لبعضهما بعضاً. بدا المشهد وكأنه جزءاً حقيقياً مما تحكي عنه المسرحية. كان الشابان الصديقان أمهر من الممثلين أنفسهم في توصيل رسالة عن حقيقة العدو الذي يسكننا، قبل أن ينطلق صوت من زاوية المسرح "ششششش" لوقف المهزلة. لا شك تعبت ميكائيلا ميراندا، زوجة المخرج، لكثرة ما قالت "شششش" للجمهور طوال ساعة العرض.

إنتهت المسرحية وبدأ الجمهور بالانسحاب، وظلت أم حميد تصفّق، سعيدة بما شاهدت، ولم تقل لمراسل "العربي الجديد" عن المسرحية سوى: "أعجبتني، فيها كثير من حياتنا".

المساهمون