"عبور"... مسلسل أم إعلان دعائي للمنظمات غير الحكومية؟

04 يونيو 2019
للمرة الثانية تؤدي صبا مبارك دور لاجئة (فيسبوك)
+ الخط -
عادت الفنانة الأردنية صبا مبارك لتؤدي شخصية اللاجئة السورية من جديد، في المسلسل الأردني "عبور"، الذي يصور حياة اللاجئين السوريين في مخيمات الأردن. سبق لمبارك، التي اكتسبت شهرتها من خلال سنوات العمل في الدراما السورية في عصرها الذهبي، أن جسدت شخصية لاجئة سورية، في فيلم "مسافر حلب - إسطنبول" قبل سنتين. مسلسل "عبور"، من تأليف ثريا حمدة، وإخراج محمد حشكي، ويشارك في بطولته العديد من الممثلين السوريين، أبرزهم: سامر إسماعيل، ورنا جمول ولين غرة، وشارك في العمل بعض أهالي مخيم "مريجيب الفهود"، إلى جانب الفنان الأردني خالد الطريفي.
قلة هي الأعمال الدرامية التي سلطت الضوء على حياة اللاجئين السوريين داخل المخيمات، إذ ليس هناك سوى مسلسل "غداً نلتقي" الذي رصد حياة اللاجئين في لبنان. في المقابل، فإن النظام السوري أنتج العديد من المسلسلات التي تضمنت شخصيات "لاجئين"، نزحوا في الداخل من المناطق المنكوبة إلى ما يسميها "المناطق الآمنة"، وأبرز هذه الأعمال "بانتظار الياسمين"، الذي ركز على حياة النازحين السوريين في الداخل السوري، ولكنه تبنّى رواية النظام عن السبب الذي أدى إلى نزوح الأهالي من مناطقهم، ويؤكد أن هذا الحال "ناجم عن ممارسات الإرهابيين والمتشددين الذين تسببوا في دمار المناطق التي كانوا يعيشون فيها وتم تدميرها". كما أنه يبرئ الجيش السوري من عمليات الخطف والتعفيش، كما يحمّل المسؤولية للنازحين أنفسهم عن كل المصائب التي حلت بهم. من هنا، تنبع أهمية إنتاج مسلسل درامي مثل "عبور"، يحاكي أوضاع اللاجئين السوريين في مخيمات الأردن، بعيداً عن الماكينة الإنتاجية للنظام السوري التي لا تهدف إلا لتلميع صورة النظام.
تتداخل الحكايات في العمل ضمن خطين زمنيين يرويان ماضي الشخصيات وحاضرها، وهو الأمر الذي يساهم بصورة إيجابية في كسر الصورة النمطية عن اللاجئين السوريين التي تتضمّن ما هو أشبه بلطم وبكائيات على حالهم، من دون أن تُناقش واقعهم وآفاق مصائرهم.
في مسلسل "عبور"، تظهر الشخصيات ضمن العمل، لها ماضٍ وحياة كاملة في الزمن الذي سبق نزوحهم، وهذا الماضي مستمر، فنرى امتداده في تفاصيل حياتهم اليومية في المخيم، وهو ليس مجرد حكاية تُسرد وكأنها لشخصية أخرى مُسحت معالمها، بل حكاية تلعب دوراً درامياً في تطور الأحداث. كما يُظهر العمل اللاجئين كأشخاص منتجين ضمن المخيم، يعملون في مهن مختلفة، ويساعدون على تطوير المخيم وتحسينه، على عكس كثير من الجهات الإعلامية، سواءً السورية أو الأردنية، التي حاولت أن تصوّر اللاجئين بطريقة سلبية.
لكن مشكلة العمل تكمن في أنه عندما يحاول تسليط الضوء على دور المنظمات المحلية في المخيمات، فيقع في فخ المبالغة، ويصور المخيم على أنه فندق خمس نجوم تتحقق فيه أحلام اللاجئين، فجميع طلباتهم واحتياجاتهم مؤمّنة، من دون الإشارة إلى أن المخيم يمنع اللاجئين السوريين من مغادرته مثلاً؛ بل إنه يتم تصوير حلم الخروج من المخيم على أنه خيار خاطئ وغير آمن، ويتمثل ذلك بشخصية الطفل ليث، عندما يتمكّن من مغادرة المخيم فيضيع في العاصمة عمان، وتطارده عصابة من الأولاد تحاول سرقته، ليعود إلى المخيم بإرادته مقتنعاً بفكرة البقاء داخل حبسه. كذلك، يبتعد العمل في الكثير من الأحيان عن خطه الدرامي ليشرح لنا ما يحتويه المخيم من مراكز طبية وتعليمية ومعلومات عن سعته وهوية مموليه، ليصبح المسلسل أشبه بإعلان للمنظمات غير الحكومية.
وفي حين أن المسلسل يحاول أن يسوّق لنفسه باعتباره عملاً فنياً اشترك فيه اللاجئون، إلا أنه، من جهة أخرى، يهمش اللاجئين على حساب الفنانين المشاركين والمنظمات وغيرها. يبدو ذلك واضحا من شارة البداية التي تؤكد أن العمل هو إهداء لأهالي مخيم "مريجيب الفهود"، ولكن الشارة تتجاهل أسماء الأشخاص الذين شاركوا في التمثيل من داخل المخيم.
المساهمون