"طوارئ" المغرب تثير قلقاً من انتهاكات لحقوق الإنسان

31 مارس 2020
فتحت وزارة الداخلية تحقيقاً في التجاوزات (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -


خلقت حوادث تعنيف بعض رجال الأمن لعددٍ من المواطنين، خلال الأسبوع الأول من تطبيق حالة الطوارئ الصحية المفروضة في المغرب لمواجهة فيروس كورونا الجديد، جدلاً واسعاً بين فريق اعتبرها "ردّةً حقوقية" وآخر رأى فيها أسلوباً لردع منتهكي "الطوارئ" في ظروفٍ استثنائية مرتبطة بمكافحة الوباء.

وأعادت مقاطع الفيديو التي بُثّت على مواقع التواصل الاجتماعي لبعض رجال الأمن، وهم يقومون بصفع ورفس مواطنين خلال تطبيق حالة الطوارئ الصحية، إلى الواجهة، الجدل القديم بين المجتمع الحقوقي والمدافعين عن السلطة وقراراتها.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الداخلية المغربية، يوم الجمعة الماضي، عن فتح تحقيق في الأفعال الصادرة عن بعض رجال الأمن خلال تعاطيهم مع فرض حالة الطوارئ الصحية، بدا لافتاً تحذير الهيئات الحقوقية المغربية من أن يؤدي إعلان "الطوارئ" إلى حدوث "ردّة" حقوقية.

وفي هذا السياق، حذّر مرصد الشمال لحقوق الإنسان من أن "يكون إعلان حالة الطوارئ الصحية في المغرب بسبب كورونا، وما يتبع ذلك، سبباً في انتهاك حقوق الإنسان، بما في ذلك انتهاك الحق في الحياة، والحق في السلامة الجسدية، وتعريض الأفراد للتعذيب، أو للمعاملة أو العقوبة القاسية أو التي تحطّ بالكرامة، وانتهاك الحق في حرية الفكر والتعبير".

بدورها، اعتبرت جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان ظهور العديد من الفيديوهات الموثقة بالصوت والصورة، لـ"ترهيب" عدد من رجال السلطة للمواطنين في الشوارع، "بوادر ردّة عن احترام حقوق الإنسان كما هو منصوص عليه في دستور المملكة المغربية"، معربة عن رفضها لـ"المقاربة القاصرة التي يعمل بها المسؤولون التابعون لوزارة الداخلية جرّاء استغلال الإجراءات المنصوص عليها ضمن مرسوم حالة الطوارئ الصحية المعمول به بهدف مجابهة انتشار فيروس كورونا، وليس بهدف ترهيب المواطنات والمواطنين والاعتداء على كرامتهم والسماح بتصوير وجوه الضحايا المحمرة بالصفع والركل ومختلف أشكال التنكيل بحقوق الإنسان المغربي، كما يضمنها دستور المملكة المغربية".


وبحسب عادل تشكيطو، رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان، فإن "التخوف من استغلال حالة الطوارئ للتشجيع على التجاوزات في مجال حقوق الإنسان لا يزال قائماً، لا سيما أننا اليوم نقف، وبشكلٍ يومي، على بعض الممارسات التي يندى لها الجبين، وإن كانت معزولة، فهي قد خلقت جدلاً واسعاً لدى المجتمع المغربي". وفي هذا الإطار، يوضح الناشط الحقوقي أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي "انقسموا بين مؤيد لهذه الممارسات بحجة حالة الاستثناء، وبين معارضٍ لها ومطالبٍ باحترام حقوق الإنسان وتطبيق القانون في حقّ المخالفين لأمر الحجر الصحي، والذين تمّ الاعتداء على بعضهم من قبل بعض رجال الأمن ورجال السلطة المكلفين بإنفاذ القانون".

ويشدّد تشكيطو، في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، على أنه "في هذه المرحلة العصيبة، نحن متشبثون أكثر من أي وقت مضى باحترام القانون وتفعيل الدستور، خصوصاً ما يتعلّق بالحقوق التي أقرّها الباب الثاني من الدستور، ولا يمكن التنازل عنها تحت أي ذريعة كانت (الحق في الحياة، والحق في السلامة، والحق في الصحة)"، معتبراً أن "الظروف الحالية تدعو إلى مزيد من الحرص على احترام حقوق الانسان وتفعيل الدستور والقوانين، والإنصات بحكمة وتبصّر إلى اقتراحات وتنبيهات الفاعل الحقوقي". ودعا إلى "العمل بتوجيهات الهيئات الأممية، ومن بينها تنبيهات خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، الذين أصدروا بياناً يتضمّن إرشادات تحثّ الدول على تجنّب المبالغة في التدابير الأمنية التي تتّخذها عند التصدّي لتفشي فيروس كورونا، وعدم استغلال الصلاحيات الاستثنائية في حالات الطوارئ لقمع المعارضة".

ويرى تشكيطو أن التخوّف من استثمار الفترة الحالية لتعزيز أشكال القمع والاستبداد "لا يُثنينا عن استحسان تجاوب الدولة مع مطالبنا، ولجوئها إلى مساطر محاسبة كل من ثبتت في حقّه تجاوزات، إذ شهدنا، خلال اليومين الأخيرين، فتح الإدارة العامة للأمن الوطني ووزارة الداخلية تحقيقات، ومعاقبة بعض المنتسبين إليها الذين ارتكبوا مخالفات في حق مواطنين مغاربة".

من جهته، يرى الخبير الدستوري رشيد لزرق أنه "لا يمكن معالجة الخطأ بخطأ آخر، ولا الردّ على انزلاقات المواطنين بانزلاقات رجال السلطة"، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن وزير الداخلية "مُطالبٌ بالحرص على احترام القانون وحسن استعماله، مع النأي بوزارته عن التأويلات الكلاسيكية الأبوية التي تُناقض دسترة حقوق وحريات المواطنة".

وبينما يعتبر لزرق أن وزارة الداخلية مطالبة بعدم المساس بالمكتسبات الحقوقية التي أقرها الدستور المغربي، وإعطاء النموذج في تعاطيها مع ما يقع في الشارع، خرجت خلال الأيام الماضية أصوات عدة لمهاجمة الانتقادات التي وجهت إلى "تجاوزات" رجال السلطة، واصفة إياها بأنها "مجرد مزايدات" لا ينبغي أن تكون في هذه الظرفية المرتبطة بمكافحة وباء قاتل.

واعتبرت تلك الأصوات أن ما صدر من تعنيف من قبل رجال السلطة هو أسلوب لردع منتهكي حالة الطوارئ، من دون اللجوء إلى التطبيق الصارم لمرسوم القانون الحديث الذي يقضي بالغرامة والحبس في حق المخالفين. كذلك رأت أن مسارعة وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت إلى فتح تحقيق حول ما نسب إلى بعض رجال السلطات من تجاوزات دليل "حسن نية".

ويرى الخبير الأمني محمد أكضيض أنّ ما وقع من أحداث خلال تطبيق حالة الطوارئ الصحية يبقى حالة معزولة على امتداد التراب المغربي، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "من الطبيعي أن تشهد الأيام الأولى لتطبيق قرار من قبيل حالة الطوارئ الصحية احتكاكاً بين بعض المواطنين والسلطات بسبب عدم اعتيادهم وعدم استيعابهم لخطورة تفشي فيروس قاتل، وهو أمر وقع حتى في بلدان متقدمة، حيث شهدنا كيف أقدمت الشرطة الإسبانية على صفع بعض المواطنين الذين لم يحترموا الإجراءات المتخذة".

ووفق أكضيض، فإن خطأ رجل السلطة يبقى "حالة معزولة في المغرب، بدليل ما شاهدناه من مقابلة أداء السلطة العامة بالتصفيق والتشجيع وبالشكر من قبل المواطنين، ومن تجاوب كبير بين الطرفين"، لافتاً إلى أن "تقييد تحركات المواطنين في حالة الطوارئ كان يهدف بالأساس إلى حماية المواطنين والمقيمين على أرض المغرب وحفظ الصحة العامة من خطر وباء كورونا القاتل".