وبينما رحبت الأوساط السياسية والشعبية الباكستانية بقرار حركة "طالبان البنجاب" بإلقاء السلاح ونبذ العنف، أعربت الحكومة الأفغانية عن امتعاضها الشديد حيال إعلان أمير الحركة، عصمت الله معاوية، مواصلة العمل العسكري في أفغانستان، معتبرةً أن الخطوة تهدف إلى التدخل في شؤون بلادها من قبل الاستخبارات الباكستانية، وتشكل غطاء جديداً لدعم الجماعات المسلحة المناوئة لها والقوات الدولية المتمركزة هناك.
وضمن ردود الأفعال الأفغانية المنددة بالإعلان، اتهم المتحدث باسم الرئاسة الأفغانية، إيمل فيضي، باكستان بالتدخل في شؤون أفغانستان، مؤكداً أن إعلان "(طالبان البنجاب) التركيز على العمل العسكري في أفغانستان والتخلي عنه في باكستان ما هو إلا محاولة جديدة لدعم الجماعات المسلحة واستهداف أمن واستقرار أفغانستان"، مشدداً على أن قوات بلاده قادرة على مواجهة التدخل الأجنبي والجماعات المسلحة المدعومة من قبل دول الجوار.
كما ناقش البرلمان الأفغاني أبعاد إعلان "طالبان البنجاب"، وأكد أعضاء البرلمان أن الإعلان يلوّح إلى إبرام اتفاق بين "طالبان باكستان" والحكومة الباكستانية على نقل الحرب من باكستان إلى أفغانستان، مطالبين الحكومة الأفغانية بمناقشة الموضوع مع المجتمع الدولي واتخاذ خطوات صارمة لمواجهة الجماعات المسلحة، والحدّ مما وصفوه بالتدخل الباكستاني في أفغانستان.
ولم تقتصر ردود الأفعال الأفغانية المنددة عند التصريحات والإدانات، بل سارعت الخارجية الأفغانية إلى استدعاء القائم بأعمال السفارة الباكستانية في كابول، سيد معظم شاه، وسلّمته رسالة احتجاج شديدة اللهجة، إذ اعتبر المسؤول في الخارجية الأفغانية، عبد الصمد صمد، أن إعلان "طالبان البنجاب" "خطوة خطيرة تستهدف أمن أفغانستان واستقرارها"، مؤكداً أن بلاده لن تبقى صامتة تجاه أي تدخل أجنبي في شؤونها.
وعلى الرغم من أن باكستان صامتة تماماً تجاه موقف أفغانستان وإعلان "طالبان البنجاب" مواصلة العمل العسكري هناك، إلا أن الأوساط السياسية والشعبية الباكستانية أبدت ارتياحها لقرار الحركة.
وكان بلاول بوتو، زعيم حزب "الشعب" الباكستاني ونجل رئيسة الوزراء الراحلة بنظير بوتو، من بين السياسيين الذين رحبوا بإعلان "طالبان البنجاب" التخلي عن العنف ومزاولة وسائل سلمية لتنفيذ الشريعة الإسلامية في باكستان. واعتبر الإعلان خطوة مهمة للقضاء على مظاهر التسلح في البلاد.
من جهته، أكد المتحدث باسم جمعية "علماء الإسلام"، بر جان أشكزاي، أن قرار طالبان خطوة ذكية تهدف إلى القضاء على ما وصفه بالمؤمرات ضد أمن البلاد واستقلالها.
بدوره، قال خبير الشؤون القبلية والمحلل الأمني الباكستاني، سليم صافي: إن قرار "طالبان البنجاب" يعكس حجم الخلاف الداخلي بين فصائل "طالبان"، كما يمثل نجاحاً كبيراً للمؤسسة العسكرية التي أحرزت تقدماً كبيراً ضد الجماعات المسلحة والتي أدت إلى انشقاق فصائل مختلفة من حركة "طالبان"، مشيراً إلى أن إعلان "طالبان البنجاب" جاء نتيجة الضغوط المتزايدة.
أما حركة "طالبان باكستان" فقد وصفت أمير "طالبان البنجاب"، عصمت الله معاوية، بالعميل للاستخبارات الباكستانية، معتبرةً أن إعلانه لن يؤثر على نشاط الحركة في باكستان، ولاسيما أنها كانت تدرك منذ زمن أن الفصيل يجري التفاوض مع الحكومة الباكستانية.
ويعتبر إعلان "طالبان البنجاب" سابقة في تاريخ الحركة التي أنشئت عام 2007، إذ أعلنت في الآونة الأخيرة مجموعة من فصائل طالبان انشقاقها عن الحركة بسبب خلافات داخلية، إلا أن "طالبان البنجاب" أول فصيل في "طالبان" يعلن إلقاء السلاح ووقف العمل العسكري في باكستان.
يذكر أن أمير "طالبان البنجاب"، عصمت الله معاوية، قد فاجأ الجميع بإعلانه، عبر تسجيل مصور وبيان مكتوب له، أن الفصيل قرر بعد التشاور مع علماء الدين ونظراً للمؤامرات التي تتعرض لها باكستان، وقف العمل العسكري في باكستان، والعمل لتطبيق الشريعة الإسلامية من خلال طرق سلمية، مع مواصلة ما وصفه بالجهاد والكفاح المسلح في أفغانستان.
وأكد معاوية أن الفصيل سيساهم في إغاثة المتضررين جراء العملية العسكرية في وزيرستان، والفيضانات الجارفة في إقليمي البنجاب وكشمير.
وحسب المراقبين، فإن قرار "طالبان البنجاب" أحد الفصائل المهمة في "طالبان باكستان" سيولد أزمة جديدة بين الجارتين أفغانستان وباكستان، ربما يكون ضررها لباكستان أكثر من نفعها، ولا سيما أنها ستزيد من الضغط الدولي على باكستان وتقوي ادعاء أفغانستان بالتدخل في شؤونها.