قبل بلوغ الطفل عمر ابن مدينة الرقة السورية سنّ العاشرة، أفقده لغم أرضي من مخلفات الحرب التي شهدتها مدينته طوال سنوات قدميه، وأقعده أسير كرسيه المتحرك. لم يعد باستطاعته اللعب مع أقرانه أو الذهاب إلى المدرسة، وفي كثير من الأحيان لا يتاح له حتى الخروج من المنزل.
لم يكن أمام عمر بارقة أمل بأن يتغير حاله، قبل أن يساعده فريق "صناع الأمل" على الحصول على طرفين صناعيين أعادا له القدرة على السير، والعودة إلى المدرسة من جديد.
وحالة عمر ليست الوحيدة، بل كثيرون غيره تركت الحرب ندوبها على أجسادهم، وتسببت لهم بإعاقات دائمة، في ظل وضع طبي بالكاد بدأ يتلمس طريقه لتقديم الخدمات الأساسية لأهالي الرقة، الذين تخلصوا من تنظيم "داعش" الإرهابي، قبل عام تقريبا.
وقصة الطفل سليمان، البالغ من العمر سنة وثلاثة أشهر، لا تقل مأساوية عن قصة عمر. فقد بسبب الحرب أحد أطرافه السفلية، ومن المرجح أن يكون أصغر طفل في سورية يفقد رجله بسبب الحرب، واليوم يساعده فريق "صناع الأمل" في توفير طرف سفلي له حتى يتمكن من أن يخطو أولى خطواته في الحياة.
أما جمال الحسوني، الذي تهجّر وعائلته من مدينة الميادين إلى خيم العراء في بادية دير الزور الشمالية، وأفقده التهجير عمله ومنزله، فتعيش أسرته أوضاعاً مأساوية جداً، زاد من مأساويتها أن سبعة من أفراد أسرته مصابون بشلل رباعي تام. أما باقي أفراد العائلة، فهم مصابون بمرض عصبي، ويحتاجون للدواء والطعام والرعاية في ظل غياب تام للمنظمات الدولية عنهم. وتمكن فريق "صناع الأمل" من الاستجابة للنداءات الإنسانية، وساهم في تأمين أربعة كراسٍ متحركة واحتياجات الأسرة الدوائية لمدة شهر.
وقال عضو فريق "صناع الأمل" الدكتور فراس ممدوح الفهد، في حديث مع "العربي الجديد"، "عملنا على تأمين العلاج الدوائي وليس الكيميائي للأطفال واليافعين إلى عمر 20 عاماً، مجانا ودون تحديد المنطقة الجغرافية، وهذا الأمر بالتوازي مع مشروع تأمين أطراف صناعية للأطفال الذين فقدو أطرافهم حتى عمر 10 أعوام، كما لدينا اليوم مشروع خاص لإجراء عمليات للأطفال ممن لديهم تشوه في الوجه، عبر طبيب جراح تبرع بإجراء العمليات، كما أننا نساعد في إجراء عمليات جراحية مجانية خاصة بالعيون".
وأضاف "ليس هناك إحصاء لعدد الحالات التي تحتاج إلى علاج، ولكننا اليوم نستقبل أي حالة تتواصل معنا، لاسيما مرضى السرطان، وخلال الفترة المقبلة إن وجدنا أن العدد قليل، يمكن رفع السن إلى ما فوق عمر 20 عاماً".
ولفت إلى أن "الخدمات والمساعدات التي يقدمها الفريق هي لكل السوريين بغض النظر عن منطقة الإقامة أو الانتماء، وإن الفريق يهدف إلى مساعدة كل الناس".
وقدرت منظمة الصحة العالمية" و"المنظمة الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة"، بحسب تقرير صدر نهاية العام الماضي، أن "هناك ثلاثين ألف مصاب كل شهر بسبب الحرب في سورية، وأن الحرب خلّفت مليوناً ونصف المليون مصاب بإعاقة دائمة من أصل ثلاثة ملايين شخص أصيبوا منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من ست سنوات".
وأوضح التقرير أن 1.5 مليون شخص يعيشون مع إعاقات مستديمة، منهم 86 ألف شخص أفضت إصاباتهم إلى بتر أطرافهم، مشيرة إلى أن الصراع الدائر هناك يحتدم باستخدام أسلحة متفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، واستمرار المخاطر المرتبطة بارتفاع مستوى التلوث بالمتفجرات ارتفاعاً كبيراً في جميع أنحاء البلاد، وطالبت المنظمة المجتمع الدولي بتوسيع نطاق الدعم الذي يقدم لتأهيل المصابين وإعادة إدماجهم في المجتمع.
وذكر تقرير سابق صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في نهاية عام 2016، أن 2.9 مليون طفل سوري تحت سن الخامسة ولدوا مع الصراع الدائر بالبلاد، إضافة إلى سبعة ملايين طفل يعانون الفقر، ومليون و75 ألف طفل حرموا من التعليم.
إلى ذلك، قال عدد من الناشطين، لـ"العربي الجديد"، إن "الكارثة السورية وآثارها على السوريين تحتاج إلى جهود دولية، ودعم مالي كبير جدا، وبالرغم من أهمية الدور الذي تلعبه بعض المنظمات والمبادرات المحلية، إلا أنها تبقى محدودة أمام حجم الاحتياجات". ولفتوا إلى أن "المجتمع الدولي ومنظماته، لا تزال غائبة عن لعب دورها الحقيقي في التخفيف من معاناة المدنيين في سورية، والذين يعدون أكبر المتضررين من الصراع الدائر في البلاد".