أطلّ نصر الله، أمس الجمعة، وقال وبابتسامة صفراء "نحن يا أخي على رأس السطح، موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران". وسأل "تمام؟ هل تريدون شفافية أكثر من هذا؟" أمّا المعترضون فيمكنهم أن يعترضوا، "وليعترضوا، هذا البحر ما شاء الله، البحر الأبيض المتوسط، اشربوا منه".
وبذلك، يكون نصر الله قد حدّد الخيار لخصومه والمعترضين على ممارساته: "حزب الله وإيران من أمامهم، والبحر الأبيض المتوسط من ورائهم"، مُسقطاً بذلك بشكل صريح كل دعواته الإعلامية للحوار والتهدئة وتشكيل اللجان المشتركة والبحث عن الحلول السياسية محلياً وخارجياً. حتى إنه سبق لنصر الله خلال خطاب سابق له أن أشار بشكل واضح إلى أنّ إدخال السلاح إلى البحرين عملية سهلة، بما في ذلك من رسالة مباشرة للسلطات العربية ولحلفائه على حدّ سواء بأنّ الحزب ومن خلفه إيران قادران على إشعال هذه البقعة الجغرافية.
ولم يتأخر الأمين العام لـ"حزب الله"، خلال إطلالته الأخيرة، في التأكيد على استمرار الحزب في خوض المعارك على مختلف الساحات، في لبنان والعراق وسورية والبحرين وغيرها، في حين لم يأت على ذكر عبارة إسرائيل سوى أربع مرّات جاءت "ضمن هلالين، كما قال هو (في معرض حديثه عن قتلى حزب الله في سورية) أو في إطار استعادة مسيرة بدر الدين. ما يوضح بشكل لا لبس فيه تغيّر معجم "حزب الله" وتبدّل معاركه، ولو كان هذا الأمر ثابتاً من قبل من خلال خوض الحزب المعارك في شتّى البقع العربية المتفجّرة، محافظاً على العنوان نفسه القائل إنّ الطريق إلى فلسطين المحتلة والقدس تمرّ من العواصم العربية.
وحاول نصر الله جاهداً الظهور في موقع الرجل الشفّاف والصريح، كاشفاً عن عدد قتلى الحزب خلال الشهر الأخير من الحرب في سورية. فأشار إلى سقوط 26 قتيلاً في صفوفه بالإضافة إلى أسير واحد ومفقود واحد، واستكمل حديثه لافتاً إلى أنه "عند الإخوان السوريين وبقية حلفائنا يوجد شهداء"، مقابل 617 قتيلاً في صفوف المجموعات السورية. إلا أن شفافية نصر الله وصراحته توقفتا عند هذا الحدّ، فلم يتطرّق من قريب أو من بعيد إلى المعلومات التي تحدثت عن وقوع اشتباك بين عناصر من الحزب وآخرين تابعين للنظام السوري، وعن صراع النفوذ على الميدان السوري بين الحلفاء والذي سبق أن كلّف الطرفين عدداً من القتلى في مناطق سورية مختلفة.
وفي الإطار نفسه وخلال حديثه عن هذه الحروب التي زجّ الحزب نفسه بها أو زجته فيها إيران، وتحديداً الحرب السورية، أثبت نصر الله عن قصد أو بغير قصد أنّ العلاقة بين مكوّنات المحور الإقليمي والدولي المدافع عن النظام السوري غير سليمة. ففي معرض الحديث عن "انتصارات" حزبه في سورية، قال نصر الله إنّ "المحور الآخر كاد أن ينهار، فتدخلت أميركا ومجلس الأمن الدولي وضغطوا على روسيا والمجتمع الدولي وفرضوا على الجميع وقف إطلاق النار. من استفاد من وقف إطلاق النار في حلب؟ الذين جاءوا الآن بالآلاف من المقاتلين وبالدبابات وبالملالات وبالمدافع وبالذخيرة ليعيدوا تجديد حياة هذا المشروع الاستهدافي"؟
وأكمل في محطة أخرى من كلامه مشيراً إلى أنّ "السوريين وأصدقاءهم قاتلوا أربع سنوات في أشدّ السنوات قحطاً وصعوبةً وقسوةً، ولم يكن يوجد أي أحد، لا طيران روسي ولا قواعد عسكرية روسية ولا شيء من هذا القبيل". فيحمّل هذا الكلام روسيا بشكل مباشر تداعيات وقف إطلاق النار واستعادة المعارضة السورية أنفاسها، وجاء موقف نصر الله ليؤكد "التورّط" الروسي في هذا الأمر.
كما جاء القسم الثاني من الخطاب للقول إنّ الحزب وغيره من المليشيات المذهبية الداعمة للنظام السوري قامت بواجبها في الصمود العسكري وإبقاء النظام السوري حيث هو من دون الحاجة إلى تدخل روسي عاد وتوقف عند حدود معيّنة ليضع النظام وحلفاءه في ورطة ميدانية وعسكرية كما هي الحال في حلب اليوم.