"شو بكي؟"

30 يناير 2016
أتى إلى الشرفة (فرانس برس)
+ الخط -
مشى إلى منتصف الطريق وتوقف. معه، توقفت السيارات حتى لا تصدمه. كان يمكنها الالتفاف من حوله ولم تفعل. وكانت غيمتان على وشك الاصطدام ولم تفعلا. لا ينقص أن يتبلّل. الأطفال في السيارات لا يعترضون على هذا التوقف المباغت. استكانَ الشارع فجأة. دقائق قليلة وتابع الرجل طريقه. لم ينتحر. ظنوا جميعاً أنه لم يعد راغباً في الحياة، وقد جرّب أكثر من واحدة. كان حزيناً في الأولى والثانية والثالثة وأكثر كآبة في الرابعة. وفي هذه الخامسة، ثمّة بلاطة فوق صدره. هذه العبارة الأجمل، مهما استخدم الكتاب من توصيفات أخرى.

---

لا.. ما من بلاطة فوق صدره. هو خارجٌ اليوم للقاء عصافير في السماء. لن يصعد إليها. ربما تلتقي كلها على شرفته. بعد قليل، تأتي حبيبته. يعرفُ أنها ترتدي ثوباً من الصوف الأحمر وتضع عطراً جديداً. لا يضيّعها مهما غيّرت من عطور. حلم بها أمس. هي بثوبها الأحمر وعطرها الجديد. لم تكن تضع طلاء الأظافر ولا كحلاً في عينيها حتى عانقها. تأتي بعد قليل، قبل أن ينزل إلى الشارع وتتوقف السيارات.

---

أيقظته ذكرى. وتوالت الذكريات مثل إذاعة لا تصمت. قيل له إنه كان شقياً، يقفز مثل القطط. هو شقيٌّ اليوم أيضاً بلا القفز. "ما سألتني بها العمر مرة شو بكي". ما بك؟ جذابٌ ورقيق وذكي وناجح. وهي ستأتي مثلما رأيتها في حلمك. طفولتك مرتبة. الأرقام تسيرُ واحدة تلو الأخرى. لم يحدث أن وقع خطأ يوماً. أنتَ أحد أولئك الذين عدوا نجوماً قبل النوم وأطفأت شموعك كلّها. لم يسبقك إليها أحد. ماذا إذاً؟ أرهقك خلو ماضيك من الأحداث. بقي لك أن تحلم بها. تكبرُ بترتيب ومن دون أحداث. سنوات طويلة مرت وما زلت تسمع الأغنية نفسها. زد عليها. "ما سألتني بها العمر مرة شو بكي...". لا شيء.

---

"صعبان عليا غزالي". لكنّك سعيد. ألا تقول ذلك أم أنك تكذب؟ في الخارج سماء وأرض وبحر وكائنات. الكثير منها. هذه جميعها أكثر من الموت. تعرف أن السماء والأرض تتقاسمانا. تنزل ثم تصعد ثم لا تعلم. ربما تذهب يميناً أو شمالاً. أحبّك أساتذتك في المدرسة. كنت ذلك التلميذ الذي يجب على البقية أن يكونوا مثله. لم يصر أحد مثلك، وكنتَ تريد أن تصير مثل الآخرين. لا يهم. هذه مجرّد ترهات نفسية.

لنعد المشهد. في الخارج كل شيء جميل. وأنت سعيد. انظر إلى نفسك في المرآة وابتسم. لا تنتظرها. الشمس والسماء والعصافير في الخارج. ثم يأتي إليك المساء وحده. تلتقيان فيولد حبٌّ لا ألوان فيه أو عطور. فقط حبّ. ماذا يكون بك إذاً؟ احفظ شكل الطيور جيداً واعشقها قبل أن تخطفها الطائرات.

اقرأ أيضاً: الإثنين الأزرق
دلالات
المساهمون