قبل نحو 23 عاماً، أسست مجموعة من المغاربة جمعية "شوربة للجميع" في باريس. وكان الهدف الرئيسي منها "تقاسُم وجبة طعام مع شخص عابر أو محتاج". بالرغم من الأزمة الاقتصادية، تمكّنت الجمعية من الحفاظ على استمراريتها وعلى نجاحها، في حين يعرفها كل العاملين في المجال الإنساني والإغاثي في العاصمة الفرنسية. هي تستقبل يومياً ما بين ألف وخمسمائة وألفَي شخص، وهو ما دفع مسؤولين فرنسيين إلى امتداح نشاطها وإنجازاتها.
ليلى بوكورت نحاتة، تطوّعت لمساعدة أعضاء الجمعية وإعداد الشوربة (الحساء). تشير إلى أن ذروة نشاط الجمعية يكون في شهر رمضان، إذ يقصد عدد كبير من الصائمين الجمعية لتناول طعام الإفطار، ويتراوح عددهم ما بين ألف ومائتَي شخص وألفي شخص، وفي بعض الأحيان يتخطى العدد هذا الرقم. وتؤكّد لـ "العربي الجديد" على أن "المجال مفتوح أمام كل من هو في حاجة، سواءً أكان مسلماً أم غير مسلم". تضيف: "هذه هي رسالة الجمعية منذ بداياتها. هي غير سياسية ومفتوحة أمام كل محتاج ليسدّ رمقه".
وتلفت بوركورت إلى أن "في خلال شهر رمضان المنصرم، سُجّل تزايد في أعداد السوريين والأفغان والليبيين والتونسيين من ضحايا الحروب الهاربين في بلادهم، بالإضافة إلى الغجر. وهؤلاء تلقوا إلى جانب الحساء، التمور واللبن والخضار والفاكهة والحلويات وعصير الفاكهة. وفي ليلة 27 من رمضان قدَّمنا لهم صحن لحم إضافي بالبرقوق (طاجين مغاربي)، بمناسبة ليلة القدر". ولأن الفقراء لا يجوعون فقط في رمضان، تقول: "نواصل تقديم وجبات طعام يومية ساخنة طيلة أيام السنة، وحتى في فترة الصيف عندما تتوقف جمعيات كثيرة عن تقديم المساعدة".
وعمل الجمعية لا يقتصر على تقديم وجبات الطعام، بل هي تتكفل أيضاً بتأمين دروس محو أمية بالإضافة إلى استشارات، من قبيل ملء ملفات التقاعد والجنسية والسكن والملفات الطيبة وغيرها. كذلك تنظّم ورش عمل للشباب.
أما بخصوص التمويل، فتوضح ليلى أنه "خاص. الجمعية تتلقى الهبات والتبرعات، لا سيّما في شهر رمضان، إذ تزداد الصدقات والزكاة. كذلك تقدّم لنا بلدية باريس ووزارة المدينة ووزارات أخرى، مساعدات مادية". ولا تنسى الإشارة إلى "الدور الرائع للإذاعات العربية في باريس التي تحثّ الناس على التبرّع وتقديم المساعدات"، بينما توضح أن "أربعة فقط من الناشطين يتلقون راتباً، في حين ينشط نحو 200 شخص بشكل تطوّعي".
والجمعية التي تعدّ فريدة من نوعها في العاصمة الفرنسية، لجهة توفير الطاولات والكراسي وكذلك الأطباق للحاضرين، ألهمت آخرين لإنشاء جمعيات مماثلة في مدينتَي مارسيليا وليون تحت الاسم نفسه "شوربة للجميع".
هاشمي بودراهم هو رئيس الجمعية، يشير لـ "العربي الجديد" إلى أنه لم يُفاجأ من الإقبال على موائد الجمعية طيلة شهر رمضان، "فبرنامجنا واضح والناس يعرفوننا منذ فترة طويلة. صحيح أن رمضان هو مناسبة دينية، إلا أننا ندرجه في إطار ثقافي. نحن نتقاسم مع ضيوفنا الطعام ولا نسأل أحداً عن هويته ودينه. الشوربة عندنا رمز لسقاية الحياة. و23 عاماً من حياة الجمعية تشهد على أننا لم نحد عن أهدافنا، والثقة تتجدد عاماً بعد عام، والهبات تصلنا من كل مكان".
شافية أزوني مديرة الجمعية، تقول لـ"العربي الجديد": "بالرغم من أن رمضان يمثل الذروة، إلا أنه يظل نشاطاً من بين نشاطات أخرى للجمعية. الجمعية هي برنامج تضامن وعمل إنساني. من يقصدنا وهو يعاني من الجوع لأنه فقد عملاً أو لأنه بلا أوراق قانونية أو لأنه وصل للتو من أرض بعيدة، نساعده في الوقوف على قدمَيه، وهو ما يعني إعادة الكرامة الإنسانية له". تضيف: "وإذا كان رمضان هو المحفز عند تأسيس الجمعية، إلا أن هاجس المساعدة على استقلالية المرء هي التي تحركنا الآن. والجمعية تضم أفراداً يتحدثون لغات متعددة، وهو ما يسمح بالتواصل مع جميع من يقصدنا".
وفي حين تشدّد أزوني على أن "الجمعيّة لا تنكر أصلها في حين تعلن عن علمانيتها وتنوّعنا"، يشير الهاشمي إلى أن "منابر فرنسية عديدة أوضحت أن جمعيتنا ليست سياسية على الإطلاق. وهذه المواقف تساعدنا على أداء دورنا الإغاثي والإنساني بفعالية أكبر".
اقرأ أيضاً: المتاجر العربيّة في فرنسا تحتضر