"شارلي إيبدو" تضع ظريف تحت الضغوط

21 يناير 2015
من الاحتجاجات الإيرانية في طهران (أتا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -
انتقد الايرانيون، مسؤولين ومواطنين، الرسوم التي نشرتها صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية أخيراً، واعتبروا أن "الكاريكاتور الذي يصوّر النبي محمد، مسيئ للإسلام وللملايين من معتنقيه في كل أنحاء العالم". وازدادت التصريحات المنتقدة والمنددة، منذ نشر الرسوم على مستويات رسمية عدة.

وتجمّع عشرات الإيرانيين اعتراضاّ على الرسومات، أمام مقر السفارة الفرنسية في العاصمة طهران، يوم الإثنين، وردد المشاركون، ومعظمهم من الطلاب الجامعيين ومن نواب البرلمان، شعارات "الموت للصهيونية" و"الموت لفرنسا" و"الموت لمهيني الإسلام". وطالبوا بطرد السفير الفرنسي، وعدم إعادته إلا بعد تقديم اعتذار رسمي من قبل فرنسا للمسلمين. وحملت هذه الاعتراضات أبعاداً أخرى بين طياتها، فقضية "شارلي إيبدو"، شرّعت الأبواب أمام جدل سياسي جديد بين التيارات الإيرانية المتصارعة.

ولم يكتفِ بعض المحتجين أمام السفارة الفرنسية بالتنديد بالرسوم، بل طالبوا أيضاً بمحاسبة وزير الخارجية الإيرانية، محمد جواد ظريف، الذي زار باريس أخيراً، والتقى نظيره الفرنسي لوران فابيوس، بعد نشر الرسوم. ودعوا الرئيس، حسن روحاني، إلى مراجعة خطاب السياسة الخارجية لوزيره.

ازدادت الانتقادات لظريف، على لسان المحافظين، لا سيما المتشددين منهم، الذين ينتقدون أساساً مسار المحادثات النووية الإيرانية، التي يقودها ظريف مع الغرب. يرفض المتشددون الجلوس مع الأميركيين إلى طاولة حوار واحدة، ويبررون الأمر بـ"عدم ثقتهم بالأطراف التي لا تنفك تحاصر البلاد وتستغل كل فرصة لعزلها أكثر".

ونشرت صحيفة "وطن امروز" المحافظة على غلافها صورة كبيرة للاحتجاجات أمام السفارة الفرنسية، تحت عنوان عريض "الموت لشارلي"، وذكرت أن المحتجين قاموا بتغيير اسم شارع "نوفيل لوشاتو"، وهو أحد الشوارع المعروفة في العاصمة الإيرانية، وألصقوا على اللائحة التي تحمل اسم الشارع اسم "نبي الله محمد".

وركزت الصحيفة على كلام النائب، أحمد توكلي، الذي نشرته العديد من المواقع الإيرانية أيضاً، لتساؤله في خطابه أمام السفارة الفرنسية، عن سبب حضور ظريف إلى باريس، في وقت توجه فيه الإهانات للإسلام من قبل أعدائه. كما طرح حسين شريعتمداري، في افتتاحيته لصحيفة "كيهان" المحسوبة على الخط المتشدد الأسئلة عينها، مطالباً ظريف بتقديم توضيحات حول زيارته.

وتساءل عن علاقة الزيارة بالعرف الدبلوماسي للجمهورية الإيرانية، كما انتقد اجتماع ظريف بوزير الخارجية الأميركي جون كيري مرتين، مرة في جنيف، التي استقبلت جولة المحادثات النووية الأخيرة بين إيران ودول 5+1، ومرة خلال زيارته باريس.

وقال شريعتمداري إنه "كان على ظريف تأجيل جولة الحوار النووي،على الأقلّ اعتراضاً على تصرفات فرنسا، ودعمها صحيفة تُوجّه إهانات من هذا النوع، واعتراضاً على سياسة الدول الكبرى كذلك". واعتبر أن "كل جلسات الحوار لم تؤدِّ للنتيجة المرجوة، على الرغم من تكرار الاجتماعات منذ أكثر من عام، بل إن الولايات المتحدة فرضت المزيد من العقوبات على إيران"، حسب قوله.

وتعدّت الانتقادات الأوساط الإعلامية، وأوساط النواب المحافظين، الذين يختلفون دائماً مع السياسة الإصلاحية، وأحيانا المعتدلة، ووصلت إلى رجال الدين، إذ رأى رجل الدين، نوري همداني، أن "زيارة ظريف لباريس غير مناسبة، وتوقيتها لم يكن مناسباً أيضاً".

وعلى الرغم من التنديد الإيراني من قبل مسؤولين يمثلون حكومة روحاني، لكن مدير مكتبه، محمد نهاونديان، عاد وكتب على الصفحة الرئيسية لموقعه الإلكتروني، يوم الإثنين، أن "بلاده تعترض وبشكل رسمي، على رسومات شارلي إيبدو". ورفض "إهانة الإسلام والمسلمين"، ومعتبراً أن "دعم سياسات من هذا النوع تحت شعار دعم حرية الرأي، أمر يعزز ظاهرة التطرف والإرهاب".

ظريف، نفسه، الذي كان يتنقل بقطار الأنفاق إلى مكان عمله، الإثنين، "دعماً لحماية البيئة من التلوث"، ردّ على سؤال لوكالة "أنباء فارس" الإيرانية حول الموضوع، فقال إن "فرنسا شريك تجاري هام، ومن الدول المؤثرة على طاولة حوار إيران مع دول 5+1". وأضاف أن "العرف الدبلوماسي اقتضى هذه الزيارة، ولم أتساهل في نقل انتقاد بلادي لباريس بعد نشر الرسومات".

ما حدث قد يكون مجرد جدل سياسي يتكرر من وقتٍ إلى آخر بين المنتمين للأحزاب الإيرانية المختلفة، ولكنه قد يجر ظريف مرة أخرى إلى البرلمان الإيراني، الذي يسيطر المحافظون على معظم مقاعده، ليجيب عن أسئلة انتقادية، يطرحها نواب لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية التابعة للبرلمان. وما يزيد من صعوبة موقف ظريف، هو عدم إحراز المفاوضات النووية أي إنجاز مفصلي حتى اللحظة بسبب صعوبتها، وهو ما يدعم وجهة نظر المحافظين الإيرانيين في الوقت الحالي.

المساهمون