ليس صدفة افتتاح سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أمس الخميس، لشارع "أبرتهايد" جديد في القدس وهو "شارع 4370"، والذي يأتي ضمن "شارع الطوق" رقم 4585، المكوّن من جسور وأنفاق وهدفه الفصل بين الفلسطينيين والمستوطنين في حركة السير، إذ تتجه سلطات الاحتلال نحو إتمام مشروع استيطاني آخر يدفع الفلسطينيون ثمنه، ويفصل ضواحي وقرى فلسطينية عدة عن المدينة المقدسة.
وفي السياق، حذّر مدير دائرة الخرائط والجغرافيا في "جمعية الدراسات العربية" التابعة لـ"بيت الشرق" في القدس، خليل تفكجي، في حديث مع "العربي الجديد"، من التداعيات المحتملة لافتتاح شارع الأبرتهايد الجديد، والذي يفصل حركة سير المواصلات بين الفلسطينيين والمستوطنين في الضفة الغربية. ويقع الشارع الجديد شمال شرق القدس، بالقرب من قرية جبع الفلسطينية. وهو وفق تفكجي، قد يمهد إلى تنفيذ مشروع استيطاني آخر يدفع الفلسطينيون بنتيجته مزيداً من الأثمان على الأرض، وذلك من خلال فصل بلدتي العيزرية وأبو ديس جنوب شرق المدينة المقدسة عن محيطهما، وتغيير حركة السير من شارع قديم يعرف بشارع "أبو جورج" شرق عناتا، والذي تسلكه مركبات الفلسطينيين حالياً من جنوب الضفة الغربية باتجاه الشمال. هذا فضلاً عن عزل قرية الزعيّم الفلسطينية إلى الشرق من البلدة القديمة من القدس، عزلاً كاملا عن مركز المدينة، وتحويلها إلى "غيتو" مغلق تماماً.
ورأى تفكجي، أنّ افتتاح الشارع بمسارات سيره التي حددت له من قبل الاحتلال، سيسهّل حركة انتقال المستوطنين من مستوطنات شمال شرق القدس وشرق رام الله إلى مركز القدس، وكذلك ربط المستوطنات في محيط المدينة المقدسة بعضها ببعض من خلال شبكة معقدة من الأنفاق والجسور والطرق التي تم تشييدها فعلاً، ما يعني إحداث فصل كامل بين الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين، والمستوطنين في المستوطنات المقامة على أراض فلسطينية مصادرة.
وقال تفكجي "إنّ إعادة سلطات الاحتلال الإسرائيلي إحياء مشروع شارع الطوق، سيكون من نتائجه هدم عشرات المنازل في المنطقة الممتدة من صور باهر وحتى منطقة الزعيم جنوب شرق مدينة القدس المحتلة".
ويحمل مشروع شارع "الطوق" اسم "طريق الحزام الشرقي" رقم 4585، وهو امتداد للطريق الذي يبدأ من شارع مستوطنة "معاليه أدوميم" شمال شرقي قرية العيسوية، وينتهي جنوب قرية أم طوبا جنوب شرق القدس. ويتصل بهذا المسار، طرق مثل طريق القطار من الخليل غرباً وحتى "أم ليسون" شرقاً، والمسطرة من طريق الخليل قرب دير مار الياس حتى أم طوبا، والاستمرار بتلك المُوصلة جنوباً إلى مدينة بيت ساحور والهورديون (جبل الفرديس).
ويقع مسار الطريق على أراض بملكيات خاصة، ويتضمن العديد من الجسور والأنفاق، وهي تتصل في كثير من المواقع بالطرق القائمة، وفي بعض الحالات بالطرق المُصدقة في مشاريع التنظيم التي تمرّ عليها.
وأكّد تفكجي، أنّ الكثير من المواطنين الفلسطينيين سيتضررون من مرور هذا الطريق لأسباب عدة؛ منها ما هو متعلّق بعرض الطريق البالغ 30 متراً، وأعمال التجميل التي تتمثّل في الأعمال الترابية من حيث الحفر والطم ومَيَلان الجوانب الذي يتجاوز في كثير من الأحيان عرض الطريق الأصلي، وكذلك من خلال خطوط البناء المقترحة للطريق، والتي تشير في كثير من الأحيان إلى خط بناء شمالاً ويميناً يبلغ 70 متراً من منتصف الطريق. أي أنّ هناك 140 متراً مخصصة لهذه الغاية، وتزيد في بعض المناطق عن هذا الرقم، خصوصاً عند مداخل الأنفاق ومخارجها.
وحسب التخطيط المقترح للشارع، فإنّه سيتسبب في هدم بيوت سكنية، مما يلحق الأذى الكبير بأصحاب هذه البيوت وعددها المُعلن عنه إلى الآن هو ستة بيوت. كما أنّ الشارع يتعرّض لمواقع مزروعة بالأشجار، وخصوصاً أشجار الزيتون المثمرة، مما يتسبب بخسارة اقتصادية كبيرة لمالكي هذه الأراضي.
إلى ذلك، فإنّ الجزء المقابل لملعب جامعة القدس في بلدة أبو ديس، يقع على مسار جدار الضم والتوسّع العنصري، ويتفرع جزء منه ليربط الشارع القائم ببلدة السواحرة الشرقية وجامعة القدس، فقد كان هذا الموقع معبراً لسكان المنطقة، ويربطهم ببعض، فضلاً عن كونه يُسهّل على أبناء القدس وطلاب وأساتذة جامعة القدس عقد لقاءات، وقد تم إغلاقه بالكامل.
وأطول جسر في شارع الطوق رقم 4585 المكوّن من جسور وأنفاق، ويقع شارع الأبرتهايد الاستيطاني الجديد ضمنه، يقع في منطقة وادي النار، في حين يوجد نفقان في منطقتي جبل الزيتون وأبو ديس يمتدان حتى الزعيم، ومن هناك إلى شارع رقم 70 قرب عناتا، والذي افتتح أخيراً أمام حركة المركبات الفلسطينية المتجهة من رام الله إلى العيزرية وأبو ديس، مروراً بالشارع الجديد.
وكان الشارع رقم 70 الواقع في أراضي الضفة الغربية، قد التهم ما مجموعه 2070 دونما من أراضي العيسوية، الطور، عناتا، أبو ديس، العيزرية والزعيم، فيما سيربط الشارع الجديد بلدات أبو ديس والعبيدية والعيزرية وعناتا بمنطقة رام الله من دون الحاجة للمرور في الشارع القديم المعروف بشارع "أبو جورج".
وكان وزراء ونواب كنيست إسرائيليون، إضافة إلى رئيس بلدية الاحتلال في القدس، شاركوا صباح أمس، في احتفال تدشين شارع "4370". ويربط الشارع المذكور مستوطنة "آدم" بشارع رقم "1" أو شارع "تل أبيب – القدس"، ويقع بين مفرق "أرض السمار" من أراضي قرية لفتا وبين النفق المؤدي إلى جبل المشارف. ويبلغ طول الشارع ثلاثة كيلومترات ونصفاً، وأطلق عليه الفلسطينيون اسم "شارع الأبرتهايد" لأن الشارع يقسمه جدار يصل ارتفاعه إلى 8 أمتار، يفصل بين السائقين الفلسطينيين والسائقين من المستوطنين الإسرائيليين.
وكان قد افتتح الجانب الغربي من الشارع قبل أسبوعين للفلسطينيين، الذين لا يسمح لهم بالدخول إلى القدس المحتلة، في حين افتتح أمس الجانب الغربي منه للمستوطنين لتسهيل وصولهم إلى مستوطنة "التلة الفرنسية" وجبل المشارف.
وبحسب مخطط الاحتلال، وفق ما ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإنّ الحاجز سيمنع الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية من الدخول إلى القدس. وبالنتيجة، فإنّ السائقين الفلسطينيين سيسافرون في الجانب الفلسطيني من الشارع حول القدس من جهة الشرق، دون السماح لهم بدخولها.
إلى ذلك، اعتبر رئيس المجلس الاستيطاني "بنيامين"، يسرائيل غانتس، الذي شارك في افتتاح الشارع، أمس، أنه "أنبوب الأكسجين لمستوطني بنيامين والمنطقة كلها، الذين يعملون أو يتعلّمون أو يقضون أوقاتهم في القدس"، في حين، اعتبر رئيس بلدية الاحتلال في القدس، موشي ليئون، أن افتتاح هذا الشارع هو "الرابط الطبيعي والمطلوب" لربط مستوطني "بنيامين" بالقدس. بينما قال وزير المواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إنّه "خطوة مهمة لربط مستوطني بنيامين بالقدس"، وتعزيز ما سماه "متروبولين القدس".