ماذا كانت تعني فاطمة المرنيسي بالحريم حين عنونت كتابها "الحريم السياسي"، هل كانت تتحدّث عن صورة، أم تمثيل، أم عن مسألة مؤسّسية، سؤالٌ يطرحه الباحث الحسن المصدق، الأستاذ في "جامعة باريس الثامنة"، في محاضرته التي بثّها "معهد العالم العربي" في باريس، على موقعه الإلكتروني قبل أيام، بين مجموعةٍ من المحاضرات والجلسات التي أُقيمت ضمن مؤتمر "رموز الحركة النسائية العربية"، المنعقد في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ويتيحها المعهد للجمهور افتراضياً.
يلفت المصدق إلى أن المرنيسي بطرحها هذا العنوان منذ البداية تقارب مسألة في غاية الأهمية، وأنها بخلاف الكاتبة النسوية نوال السعداوي، بحثت في الإرث الإسلامي - رغم أن السعداوي ناقشت مسائل كالحجاب وغيرها - غير أنّ المرنيسي رأت أنّ طَرق هذا الباب الخطر لفهم الشرط الذي عرفته وتعرفه المرأة العربية تاريخياً أمرٌ لا مفرّ منه، فـ "الحرب لا ينبغي أن تُترَك للجنرالات فقط" بتعبير المصدق، بل إنّ الكاتبة المغربية استخدمت في كتاباتها النسوية التراث الإسلامي كسلاح يخدم قضايا المرأة.
بدأ المصدق محاضرته بتناول كتاب السعداوي "المرأة والجنس" ولحظة كتابته ومنعه في العالم العربي، وأهميته في دراسة الواقع الاجتماعي العربي، متسائلاً: "هل تعيش المرأة العربية في جسد لا تعرفه؟"، و"إن كان شرف المرأة كما يفهمه الرجل متعلّقاً بمسألة بيولوجية، فبماذا يتعلّق شرف الرجل إذن؟".
طَرحت الأوراق الأخرى، التي أتاح المعهد حضور تسجيلاتها، دور شخصيات في تاريخ النسوية العربية وكتابة المرأة وصفهن بيان المعهد بأنهن "مقاتلات وكاتبات"؛ حيث ناقش الحاضرون إلى جانب السعداوي والمرنيسي تجارب كلّ من مَي زيادة، وهُدى شعراوي، ونازك الملائكة، وفدوى طوقان، وجميلة بوحيرد، واحتفى المؤتمر بالمؤرّخة والأنثروبولوجية التونسية الفرنسية جوسلين دخليّة، صاحبة كتاب "نسيان المدينة". وقدّم للندوة الأكاديمي الطيب ولد العروسي وشاركت فيها مجموعة من الباحثات والباحثين العرب الفرانكفونيّين والفرنسيّين.
البداية كانت لمحة تاريخية حول سيَر النساء الرائدات، إلى جانب وقوفٍ عند كتاب "مذكّرات أميرة عربية" للعُمانية سالمة بن سعيد، كما مرّت التقديمات بمواقف الكتّاب العرب من تحرّر المرأة، وخاصّةً رموز النهضة العربية؛ مثل قاسم أمين ورفاعة الطهطاوي وآخرين.
تناول الباحث عبد الستار جماعي تجربتي الشاعرتين الفلسطينية فدوى طوقان والعراقية نازك الملائكة، وعقد مقارنة بينهما. وعلى الرغم من الفرق في المراحل المبكّرة من حياة الشاعرتين الشخصية وريادة الملائكة، يرى الباحث أنهما تشتركان في التأثّر بالشعر الإنكليزي، لافتاً إلى تخصّص الملائكة الأكاديمي وتعمّقها العلمي مقارنةً بطوقان، كما تناول على نحو عاجل حضور الوطن والثورة في قصائد كلّ منهما، رغم أن تلك المسألة تستحق ورقة بحد ذاتها، مثلما هي ثيمات أُخرى؛ كالوحدة والحب وقضية المرأة في شعرهما.
أما الباحثة والكاتبة ليندا- نوال طيباني فكرّست ورقتها لجميلة بوحيرد، والتي كتبتها على شكل رسالة إليها ربطت بين نضالها وبين الحَراك الجزائري في 2019، فغلب على مشاركتها الجانب الشخصي وليس الأكاديمي؛ نترجم منها مقتطفاً هنا: "عندما تلقّيتُ دعوة من 'معهد العالم العربي' للحضور والحديث عنك، كنتُ سأرفض، لأنني لم أشعر بالقدرة على ذلك. ليس لديَّ شرعية الحديث عنك، لستُ مؤرّخة للجزائر، ولست عالمة اجتماع لأتحدّث باسم النساء. لم أكن أرغب في أخذ الكلمات مكان شخص آخر كان سيعرف ما يقوله عنك (...) وجدتُ نفسي أكتب إليك محاولةً الكتابة إلى أيقونة، ما الذي يمكنني قوله، ما هي حروف اللغة المنطوقة المفيدة التي يمكننا كتابتها... يا صديقتي جميلة، جسدك الهشّ ينفجر مثل إعصار، مثل النصر في كل المدن البعيدة وفي كل القرى المجاورة، يتدفّق سيلاً في الشوارع يضيء في الحقول، ترفع الأعلام تحية لك من أجل الحرية".
آخر الكلمات كانت لجوسلين دخليّة؛ التي قدّمت شهادة عن عملها مؤرخةً؛ ذكرت فيها "البحث، خاصة في التاريخ، عن تاريخك هو عمل فردي، حتى لو كنت أعلم أننا تحدّثنا عن حبّي للعمل الجماعي والتدريس، ولكن كلّ ذلك لا يعني أنه لا يوجد أيضاً عمل فردي في كل هذا، أنت بمفردك أمام النص، أمام الطاولة، وغالباً ما يكون لدى الشخص انطباع عن القتال ضدّ نفسه أولاً، يحارب ضده الرغبة في الاستيقاظ لمجرّد الذهاب والتحدّث إلى الأشخاص الذين يعيشون على قيد الحياة بدلاً من مخاطبة الرجال والنساء المفقودين الذين يعيشون فقط على الورق أو في الأرشيف".
وتناولت صاحبة "أريكة الملوك" تجربتها في العمل الأكاديمي، والكتابة في تاريخ العلاقات بين أوروبا والعالم الإسلامي وتاريخ المرأة، والعلاقة بين كل هذا وبين الاستبداد، معتبرةً أنّ هذه العلاقة موضع أهمية اليوم للدراسة والبحث والتفكيك أكثر من أي وقت مضى.
اللافت في مثل هذه المؤتمرات هو غياب نقد هذه التجارب النسوية، والتركيز على أهميتها وريادتها من دون تناولها بالتفكيك والحديث عمّا لها وما عليها، وموقعها كإرث أدبي وثقافي اليوم من النسوية العربية المعاصرة.