"رجل الماضي" يرسم تاريخ غزة بحرق الخشب

11 يناير 2015
محمد الغف في مرسمه في غزة (العربي الجديد)
+ الخط -
يرسم محمد الغف لوحاته الفنية من ذاكرة غزّة القديمة. يعتمد في تنفيذ رسوماته تقنية الحرق على الخشب. يسعى الى جعل ذكريات قطاع غزة مجسدة على لوحات خشبية، صامدة في ذاكرة المواطنين. رجل الماضي، كما يحب أن يُنادَى، في أزقة البلدة القديمة لمدينة غزة حيث يقع معرضه، يعمل لساعات طويلة. يمسك رجل الماضي جهاز الحرق اليدوي. يبدأ في رسم كلّ ما يجول في ذاكرته التي عاشها منذ سنوات طويلة. يرسم الأماكن الأثريّة القديمة لقطاع غزة بحرفية واضحة.

رسم التاريخ
تتحدث رسومات رجل الماضي عن غزّة العتيقة، المساجد والأسواق. محطة السكة الحديدية والبوسطات، كذلك الأماكن التي أزيلت ولم يبق لها أثر بسبب الحروب والدمار. كما يرسم الغف شخصيات سياسية واجتماعيّة، ورؤساء بلديات القطاع عبر السنوات والعصور.
محمد الغف، مدرس متقاعد. يبلغ من العمر 68 عاماً. درس الفنون في جامعات فلسطين. عمل أستاذاً لمادة التربية الفنية في مدارس وكالة الغوث في قطاع غزة. يحبّ الغف الفنون منذ صغره. يقول لـ"العربي الجديد": "اخترت مشروعي المكون من هذا المعرض، واللوحات الخشبية، وسمّيته غزة العتيقة، لعشقي للماضي الجميل، وللأشياء التراثية في وطني بالاضافة الى عشقي للرسم والفنون. أرسمُ صوراً موجودةً في خيالي وذاكرتي منذ طفولتي، كما أعتمد على صور موجودة لدي سابقاً، قمت بتنفيذها ورسمها على لوحات خشبية، وتتناول لوحاتي الفنية بشكل رئيسي قطاع غزة قبل ستين عاماً"، أي قبل فترة الاحتلال الإسرائيلي.
يشرح الغف فكرة إنشاء معرض للوحات، فيقول: "بدأ مشروعي منذ قرابة ثلاث سنوات، حين تقاعدت من عملي في التدريس، واعتبرت أن الفرصة باتت سانحة، للبدء بمشواري الفني، ونقل التراث القديم الى الاجيال المستقبلية".

عشق قطاع غزة
يشير الغف إلى أن سبب اختياره لهذه المهنة، وهذا المشروع بالتحديد، هو مدى تعلقه بقطاع غزة، القطاع الذي لا يعرف عنه سوى الحروب والخراب والدمار. يقول: "أحببت أن أجسّد الماضي العريق وأصالة غزة، وذلك من خلال توثيقها عبر لوحات فنية، خصوصاً في ظل حاجة الأجيال المقبلة إلى رؤية غزة القديمة. اخترت مكان معرضي الدائم في القسم القديم من غزّة. ويشهدُ مشروعي إقبالاً من المواطنين، خصوصاً اؤلئك الذين يجهلون تاريخ غزة، فأقوم بالتحدث معهم عن التاريخ والعادات القديمة الأثرية. تجذب لوحات محمد الغف كلّ من يشاهدها، ويشعر الناظر بأنه في العصور القديمة.
يشير رجل الماضي الى أن مشروعه وبالرغم من نجاحه في القطاع، الا أنه لا يؤمن له المستلزمات الاساسية للعيش، فيوضح أن لوحاته لا تباع بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمرّ به قطاع غزّة، لكنه ليس نادماً على تأسيس هذا المشروع، فهو مشروع لخدمة الأجيال والباحثين في تاريخ قطاع غزّة، بحسب الغف.
يستخدم خاصيّة الحرق لما يبثه الحرق من روح الماضي في اللوحة ويساعد في إظهار القدم. وقد وصل عدد لوحات الغف إلى قرابة 100 لوحة حتّى الآن. يفتخر رجل الماضي بمشروعه، ويحلم بتأسيس مجموعة من المشاريع على غرار هذا المعرض، باعتباره عملاً توثيقيّاً للأجيال الجديدة، فهو يعتبر نفسه حامياً للتاريخ والذاكرة الفلسطينية القديمة، ومحافظاً على التّراث والهويّة الفلسطينية.
لا يتوانى الغف في إكمال مسيرة الفن التي بدأها مؤخراً بتوسعة نشاطاته، بالرغم من الظروف الصعبة، ويقول: "أحاول جاهداً الانتقال إلى مشروع آخر على غرار مشروع توثيق قطاع غزة، إذ إنَّ المرحلة الثانية من عملي ستكون توثيق ورسم الآثار القديمة لمدينة "يافا"، حيث تعود أصولي قبل النكبة". ومن أجل إتمام مشروعه الثاني، لجأ رجل الماضي إلى البحث عن ذاكرة يافا لتجسيدها على لوحات خشبية، إذ يوضح أنَّه قام بإحضار حوالي خمسين صورة قديمة لمدينة يافا من أحد أقربائه هناك، وسيقوم بتجسيدها ورسمها على شكل لوحات.
يحتاج حلم الغف إلى دعم مستمر، إذ يبيّن أن حلمه يتجسد في رسم جميع مدن فلسطين القديمة والأماكن الأثريَّة، بالإضافة الى رسم الشخصيات الوطنية المؤثرة في تاريخ فلسطين منذ عام 1971، وذلك من خلال عمل معرض خاص لهذه الشخصيات التي رحلت.
دلالات
المساهمون