للشهر الثاني على التوالي، تواصل العاصمة العراقية بغداد، استقبال زعماء ومسؤولين عرب وأجانب، في واحدة من الصور غير المألوفة على المشهد العراقي، وسط ترحيب واسع من أوساط سياسية وثقافية وشعبية عراقية، عدّتها مؤشراً على نجاح الرئيس الجديد برهم صالح في كسر الجمود الذي ظل يهيمن على منصب رئيس الجمهورية خلال السنوات الـ13 الماضية، إذ أثمرت زياراته الأخيرة إلى عدد من الدول عن زيارات بالمثل إلى بغداد.
وبعد ساعات من زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى بغداد، ومن قبلها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وصل الملك الأردني عبد الله الثاني، ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، إلى العاصمة العراقية، في زيارات أعلن عنها سابقاً من قبل مسؤولين عراقيين. وتعد زيارة عبد الله الثاني إلى بغداد هي الأهم لما تحمله من دلالات سياسية وأمنية واقتصادية. وعلى غير العادة دخل البرلمان العراقي في جدول لقاءات المسؤولين القادمين إلى بغداد، إذ زار ظريف ولودريان مقر البرلمان وعقدا لقاءات مع رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، ونائبيه.
وجاء وصول الملك عبد الله الثاني إلى بغداد بعد شهر من زيارة رئيس الوزراء الأردني عبد الله الرزاز إلى العراق، والتي تم خلالها حسم عدد من الملفات المهمة. وسبق ذلك زيارة قام بها صالح إلى عمان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ورأى عضو تحالف "الإصلاح"، علي الربيعي، في هذا الأمر مؤشراً إيجابياً يدل على قيمة العراق كلاعب أساس لا يمكن الاستغناء عنه في المنطقة، مؤكداً، لـ"العربي الجديد"، أن وصول ملوك ووزراء ومسؤولين يمثلون وجهات نظر مختلفة حيال أزمات العراق والمنطقة خير دليل على ذلك. وشدد على ضرورة استغلال العراق للظرف الحالي الذي لم يتوفر له سابقاً من أجل تعزيز مكانته التي فقدها منذ الاحتلال الأميركي، موضحاً أن المرحلة المقبلة ينبغي أن تركز على تعزيز العلاقات الخارجية، بعد كسب المعركة الأمنية من خلال دحر تنظيم "داعش". وتابع "إلا أن العراق ينبغي أن يحذر من مغبة زج نفسه في الصراعات الإقليمية والدولية"، مستشهداً بزيارتي وزيري خارجية إيران وفرنسا إلى العراق في وقت متزامن، على الرغم من أن للدولتين موقفاً متناقضاً من الأزمة السورية.
واعتبر أستاذ السياسة الدولية في جامعة بغداد، إياد الغراوي، أن الفرصة تبدو مؤاتية للعراق ليكون نقطة للتوازن في المنطقة في ظل توافد شخصيات عربية وإقليمية ودولية عليه، لكنه أشار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن التعامل مع بعض الملفات ينبغي أن يكون بحذر شديد. وقال إن "على العراق البحث عن مصلحته قبل كل شيء دون النظر إلى ما تريده الأطراف الأخرى"، مشدداً على ضرورة نأي العراق بنفسه عن التجاذبات في قضايا حساسة، كتلميحه لرفض العقوبات الأميركية على إيران، أو اتخاذ موقف مؤيد للنظام السوري، وهذه الأمور قد تكون مصدر إزعاج لواشنطن، التي لا يمكن لبغداد الاستغناء عنها في الوقت الحاضر على الأقل.