كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير نشرته اليوم الثلاثاء، أن أكثر من نصف الأطفال السوريين اللاجئين في لبنان، ممن هم في سن الدراسة، والبالغ عددهم 500 ألف تقريباً، لا يحصلون على تعليم رسمي تعترف به الحكومة اللبنانية.
ولفتت المنظمة إلى أن لبنان، الذي يستضيف 1.1 مليون لاجئ سوري، يسمح بالتحاق الأطفال السوريين بالمدارس الحكومية مجاناً، ولكن مدخول أهاليهم المحدود، وسياسات الإقامة المجحفة بحق اللاجئين، تُبقيهم خارج المدارس.
ووثّق تقرير للمنظمة عنوانه "يكبرون بلا تعليم: حواجز تعليم الأطفال اللاجئين السوريين في لبنان"، الخطوات الهامة التي اتخذتها الحكومة اللبنانية للسماح للأطفال السوريين بارتياد المدارس الحكومية. لكن المنظمة وجدت أن بعض المدارس لا تلتزم بسياسات التسجيل، وأن "هناك حاجة أكبر لدعم المانحين للعائلات السورية، وللنظام التعليمي اللبناني، الذي يتحمل فوق طاقته".
كما لفتت، في تقريرها، إلى أن لبنان يُقوّض سياساته التعليمية الإيجابية "بفرض شروط إقامة مجحفة تحد من حركة اللاجئين، وتزيد من فقرهم، وتدفعهم إلى إرسال أولادهم إلى العمل بدلا من المدارس، وتزيد من عمل الأطفال". أما الأطفال في سن التعليم الثانوي والأطفال ذوو الحاجات الخاصة، فيواجهون عوائق صعبة من نوع خاص، بحسب التقرير.
وبحسب التقرير أيضاً، فإن الحصول على تعليم "شرط أساسي لمساعدة اللاجئين على تجاوز الصدمة التي سببتها لهم الحرب والنزوح، وإكسابهم المهارات التي تساعدهم في لعب دور إيجابي في البلدان المستضيفة كلبنان، وإعادة بناء سورية".
وقد قابلت المنظمة 156 لاجئاً سورياً في لبنان، في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2015 وفي فبراير/شباط 2016، وجمعت معطيات حول أكثر من 500 طفل في سن الدراسة، بعضهم لم يرتادوا المدرسة منذ قدومهم إلى لبنان قبل 5 سنوات، وبعضهم لم يدخلوا أي فصول دراسية قط.
ويوجد في لبنان 500 ألف طفل سوري لاجئ مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تتراوح أعمارهم بين 3 و18 سنة، أي في سن الدراسة، حسب النظام التعليمي اللبناني.
وينقل التقرير عن وزارة التربية اللبنانية، أن عدد الأطفال "غير اللبنانيين" المسجلين في المدارس للعام الدراسي 2015 ــ 2016 لم يتجاوز 158 ألف طفل، أغلبهم من السوريين، بالإضافة إلى 87 ألفا غير لبناني في المدارس الخاصة و"شبه الخاصة"، كما يوجد عدد غير معلوم من الأطفال خارج المدارس من ضمن الـ400 ألف سوري غير المسجلين في بيانات المفوضية، التي أوقفت التسجيل في مايو/أيار 2015 بطلب من الحكومة اللبنانية.
وقد سمح لبنان للاجئين السوريين بالالتحاق بالمدارس الحكومية مجاناً وبدون إقامة، وفتح دواماً ثانياً "بعد الظهر" للسوريين في 238 مدرسة للعام الدراسي 2015 ــ 2016. كما أعلنت وزارة التربية في سبتمبر/أيلول عن خطة لتسجيل 200 ألف لاجئ سوري في المدارس الحكومية، بدعم دولي، كجزء من سياسة "توفير التعليم لكل الأطفال" المتبناة في يونيو/حزيران 2014.
ويُشير التقرير أيضاً إلى أن عدد الأماكن المخصصة للأطفال السوريين في المدارس الحكومية شهد ارتفاعاً متواصلاً منذ بداية الأزمة عام 2011. مع ذلك "رفضت بعض المدارس استقبالهم في عام 2015 ــ 2016 لأن الأماكن المتاحة لم تكن بالضرورة في المناطق المحتاجة، ولأن الأطفال واجهوا معوقات أخرى، ويبقى 50 ألف مكان شاغر من أصل 200 ألف مكان للأطفال السوريين التزم المانحون بتمويله".
وتوقف عند "شروط الإقامة المجحفة، التي تمنع أغلب اللاجئين من الحصول على إقامة شرعية أو العمل تهدم سياسات لبنان السخية لإلحاق الأطفال السوريين بالمدارس، وأن الكثير من العائلات السورية تخشى التوقيف في حال الذهاب إلى العمل أو حتى البحث عن عمل".
إلى ذلك، بيّن أنه في عام 2015، بلغت نسبة العائلات السورية التي تعيش تحت خط الفقر 70 بالمائة، "وهي غير قادرة على تأمين مصاريف الدراسة، مثل النقل والمستلزمات المدرسية، فباتت ترسل الأطفال إلى العمل بدل المدرسة".
واعتبر التقرير أنه من العوامل الأخرى التي تثني السوريين عن إرسال أطفالهم إلى المدارس، "بعض شروط التسجيل التعسفية التي يفرضها بعض مديري المدارس؛ العنف في المدرسة، مثل العقاب البدني من قبل الموظفين والمضايقة والتحرش من قبل الأطفال الآخرين؛ الخوف على سلامة الأطفال الذين يضطرون إلى العودة ليلا إلى منازلهم بعد انتهاء الصفوف؛ بالإضافة إلى التدريس بلغات ليسوا معتادين عليها مثل الفرنسية والإنكليزية، مع غياب الدعم اللازم".
ويواجه الأطفال في سن التعليم الثانوي عوائق خاصة، مثل بُعد السكن عن المدرسة، وشبه استحالة الحصول على إقامة شرعية بعد سن الـ15، والحاجة المستمرة للعمل، "وهناك فقط 2280 طفلا "غير لبناني"، مسجلون في المرحلة الثانوية للعام 2015 ــ 2016، أي نحو 3 بالمائة من مجموع الأطفال في سن التعليم الثانوي والمسجلين".
كذلك، عرض التقرير أن "الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يواجهون تحديات من نوع آخر، فالمدارس الحكومية، التي لها سجل سيئ في إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة اللبنانيين، ترفض استقبالهم بزعم أنها تفتقر للمهارات والموارد اللازمة لتعليمهم، وحتى عندما يتمكن الأطفال السوريون ذوو الاحتياجات الخاصة من الالتحاق بإحدى المدارس، فإنها لا تضمن حصولهم على تعليم جيد على قدم المساواة مع الآخرين".
وخلص إلى أن لبنان يجب عليه ضمان تنفيذ جيد لسياسته الإيجابية لإلحاق الأطفال السوريين بالمدارس، ومحاسبة المتورطين في العنف في المدارس، والسماح للمنظمات غير الحكومية بتأمين برامج تربوية غير رسمية ذات جودة عالية، إلى أن يصبح التعليم الرسمي متاحاً لجميع الأطفال في البلد.
وشدد على ضرورة مراجعة الحكومة شروط الإقامة، والسماح للذين انتهت إقامتهم بتجديدها، وتفعيل إعلان النوايا الذي قدمته في مؤتمر المانحين في لندن في فبراير/شباط، ومراجعة الأطر الناظمة لإجازات عمل السوريين في لبنان.