"راحيل" بهنس: ذكرى الدهشة اليتيمة

12 ديسمبر 2015
(لوحة من إنجاز بهنس)
+ الخط -

يمرّ، اليوم، عامان على رحيل الكاتب والفنّان التشكيلي، محمد حسين بهنس (1972-2013)، الذي انتهت حياته في القاهرة، على أحد أرصفتها الشعبية في "ميدان العتبة"، إثر موجة برد شهدها العاصمة المصرية في تلك السنة.

ذكرى رحيل بهنس تعيد للأذهان أحوال المثقّف العربي الذي لا يملك من الحياة إلا قوت الكتابة "الهش"، خصوصاً إذا كان هذا المثقّف كارهاً نمط الحياة المستلَبة في بلده، مفضّلاً العيش على أحد الأرصفة، من دون بيت أو منصب أو شهرة، يتابع الحياة ساخراً منها.

كانت رواية "راحيل" الصادرة عام 2001 في السودان عن "مكتبة الشريف الأكاديمية"، عمله اليتيم ولعلّها تختزن الكثير من المصير الذي سيعيشه مؤلّفها.

لم ينشغل بهنس منذ الصفحات الأولى لروايته بالاستغراق في الحكي، بقدر ما كان غارقاً في شغف الدهشة، والتي كانت العامل الرئيسي الممتدّ بحيوية بالغة من بداية الرواية إلى ختامها.

تكاد شخصياتها تتغلّف بطابع "الخرافية"، لولا لعبة السرد التي نسجت خطّاً واقعياً دارت أحداثه بين إستوديو تصوير فوتوغرافي وبيت العزوبية، وبيت الزوجية، انتهاءً باللحد الذي ضمّ أكثر شخصياتها خرافية؛ "راحيل"، والتي يُعتبر موتها أيضاً (خرافياً – واقعياً) لم يحسمه نفسياً ودرامياً، رغم إعلان الطبيب وفاتها بسرطان الجوف.

يُجري بهنس عملية الحكي على لسان سالم، المصوّر الفوتوغرافي. يقع الأخير في حب راحيل -اليتيمة- التي جاءته لالتقاط أربع صور تذكارية، واحدة منها ستُرسلها خالاتها إلى أحد الراغبين في الزواج في السعودية.

هنا، يُبدي المصوّر رأيه في المسألة، إن كانت هناك فتاة تعيش في القرن العشرين لا تزال تقبل بهذا، فتدافع راحيل بغضب عن الإهانة: "في حاجة اسمها الظروف يا أستاذ.. إنتَ ما عارف حاجة". لكن تلك الملاحظة كانت مفتاحاً لعالم فانتازي فتحه البطل لراحيل على مصراعيه.

يتزوّج سالم راحيل في يومين على غير رغبة خالاتها وأهله، وهو لا يملك ثمن وجبة بقدر ما يملك الجنون، وهو ما جعلها تقفز معه بالقاطرة نفسها: قائلةً "يا مجنون.. أنت أكبر مجنون.. لكن ورحمة زكية أمي أنا حاعرسك".

امتزجت لغة النص بانسياب مع العامية السودانية الواضحة، وبالنصوص الشعرية الغنائية، سواءً على لسان الراوي، أو على لسان الرقيب نصر الدين.

"راحيل" باعتبارها رواية بهنس الأولى والأخيرة، قد تحرّض على الوقوع في فخ البحث عن بهنس في مقاطعها، والتي يتحدّث فيها عن الحياة والتصوير والحب والموت. هناك، حيث الإطار والصوت الدرامي العالي يؤكّد أن كاتبها لم يكن بالشخص الهادئ، بل كانت حياته درامية هادرة حتى آخر لحظة له في القاهرة.

المساهمون