"ديمقراطيو السويد": يمينيّة متعاظمة في اسكندنافيا

23 أكتوبر 2015
نال "ديمقراطيو السويد" 27% في استطلاع أخير (العربي الجديد)
+ الخط -
تتطوّر الأوضاع سياسياً في الداخل الاسكندنافي، على وقع الهجرة المتعاظمة إلى أوروبا، ومُسهمة في بروز مواقف متشددة للأحزاب اليمينية، وبدء انهيار اتفاقات داخلية، في السويد تحديداً. في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اتفقت معظم الأحزاب السويدية، من يمين الوسط إلى اليسار، بعد انتخابات سبتمبر/ أيلول 2014، على "عدم السماح بتنامي نفوذ حزب ديموقراطيو السويد اليمني المتشدد انتخابياً". وهو الحزب الذي يُمكن تشبيهه بحزبي "البديل" الألماني و"الشعب" الدنماركي، وإن كان أكثر تطرّفاً في مسائل متعلقة بالسياسات الداخلية نحو المهاجرين، في ظلّ تسرّب بعض من أعضاء الحركة النازية إليه.

لكن اتفاق ديسمبر الذي وقّعت عليه قيادات سبعة أحزاب مع رئيس الحكومة الاشتراكي ستيفان لوفين، يبدو بأنه بدأ بالانهيار تحت وطأة تغيير أحزاب يمين الوسط مواقفهم، مع ازدياد أعداد اللاجئين والمهاجرين من جهة، وانتشار خطاب زعيم "ديمقراطيو السويد" جيمي أوكسون (36 عاماً)، الرافض لما سمّاه بـ"التخبّط السويدي في التعامل مع ملف المهاجرين"، من جهة أخرى. خطاب أوكسون يلاقي "صدىً إيجابياً" لدى الناخبين السويديين.

ويصف مراقبون التغيّرات الحديثة في الخارطة السياسية السويدية، بأنها "زلزال حقيقي بأبعاد خطيرة، قد تحمل معها أوكسون إلى قيادة البلاد في أية انتخابات مقبلة". وما يُسهم في تعزيز تقدّم أوكسون، هو انسحاب، أو تخلّي "تحالف المحافظين"، عن سياسة إبعاد "ديمقراطيو السويد" عن أي نفوذ سياسي. حتى أن أحد أحزاب التحالف، المتمثل بحزب "المسيحيين الديمقراطيين"، اختار في اجتماعه السنوي في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، الاقتراب من خطاب "ديمقراطيو السويد"، داعياً إلى إشراكه في العملية السياسية. مع العلم أن حزب "المسيحيين الديمقراطيين"، أبدى أكثر من مرة "قلقه" من تقدّم "ديمقراطيو السويد". وعدا "المسيحيين الديمقراطيين"، يُطالب تحالف "الاعتدال" من يمين الوسط، الذي ترأس الحكومة حتى انتخابات العام الماضي، ولو بخجل، بتغيير سياسة اللجوء وتوجّهات لوفين.

ومن الأسباب التي تدعو البعض لإعادة النظر بمواقفهم، هو الصعود الصاروخي لـ"ديمقراطيو السويد" في استطلاعات الرأي، الأمر الذي سيتيح له تدمير كل خطط الاشتراكيين كحكومة أقلية. وبنظرة كرونولوجية بسيطة يبدو أن المزاج السويدي، الذي كان الأكثر اقتراباً من تراث الزعيم الاشتراكي أولف بالمه، الذي اغتيل في 28 فبراير/ شباط 1986، بات أكثر يمينية.

قبل خمس سنوات لم يكن يُشكّل عدد نواب "ديمقراطيو السويد" سوى 5.7 في المائة من مجموع نواب البرلمان السويدي. ولم يكن الحزب محبوباً، بسبب احتوائه على منشقّين عن الحركة النازية ومجموعات عنصرية وكارهي الوجود المهاجر. غير أن كل شيء تغيّر قبل نحو العام، حين أخذ أوكسون على عاتقه وضع الحزب على الخارطة السياسية، فحصل في انتخابات سبتمبر على حوالي 13 في المائة من نِسَب المصوّتين. وهي نسبة ليست بسيطة في النظام الديمقراطي السويدي. لم ينتبه السويديون إلى ضخامة الحدث، بل إن الصحف استهانت بالنتائج في اليوم التالي، حين ذكرت أن "87 في المائة من الناخبين لم يصوّتوا لديمقراطيي السويد"، وهو ما ذهبت إليه صحيفتا "اكسبرسن"، و"افتون بلاديت". وتلا الانتخابات اتفاق ديسمبر، ولم يعبأ واضعوه بنصائح خبراء كثر، داخل السويد وخارجها، التي رأت أن "الاتفاق سيُساهم في تعزيز مواقع الحزب بين الناخبين ويجعله يبدو ضحية".

اقرأ أيضاً: "اللاجئون" يُدشنون مرحلة جديدة من العلاقة التركية ـ الأوروبية 

وانعكست التغييرات الحاصلة منذ نحو العام في مواقف يمين الوسط، بشكل واضح، تحديداً في مسألة الهجرة، ما يُظهر وكأن "ديمقراطيو السويد" يجرّ مختلف الأحزاب إلى مربّعه السياسي. حتى أن معظمها باتت تتحدث بلغته، خصوصاً في نقطة: "تأمين البلاد وحمايتها من هذا التدفّق، الذي يُمكن أن يخرج عن السيطرة". ويكشف ذلك أن صورة اللجوء لها وجهها الآخر في المجتمعات المستقبلة للاجئين، ولها أثمانها السياسية والثقافية على ديناميات الحراك المجتمعي.

وما يذهب إليه العارفون والخبراء في مجال علم الاجتماع السياسي داخل السويد، هو تركيز اليمين ويمين الوسط على ثلاث قضايا: المال، والانفتاح الكبير على استقبال اللاجئين، و"الغيتوهات" (تجمّعات سكّانية من فئة عرقية أو دينية أو ثقافية واحدة، معزولة عن محيطها)، والتي يخلقها عجز الدولة عن دمجهم في المجتمعات الأوسع. وهو تحديداً ما يعوّل عليه اليمين المتشدد لجرّ الناخبين وتغيير إرثهم التاريخي في الانفتاح والتسامح والتعددية الثقافية.

ويذهب بعض الخبراء إلى التحذير ممّا يسمونه "تصادم ثقافي" و"انتشار الجريمة بين المهاجرين". وتظهر المفاجأة في نجاح "ديمقراطيو السويد" وبقية يمين الوسط، في دفع نحو 46 في المائة من الناخبين إلى الخيار اليميني المُرفق بموقف سلبي من اللاجئين، وفقاً لاستطلاعٍ أجراه مركز "يوغوف"، ونشرته صحيفة "داغن نيهوتر"، في 10 أكتوبر الحالي.

ولا يقتصر مفهوم "اللاجئين" على من أتوا ويأتون في موجة الهجرة الأخيرة، بل يتخطاه إلى "شعب الروما" (الغجر)، المنتشرين في المدن السويدية، مع بدء حملة لاستصدار قرارات تمنع تسوّلهم. تماماً كما هي الحال عليه في الدنمارك المجاورة. ويضع البعض في السويد، تلك الفئة في سلّة اللاجئين والمهاجرين. كما يتمّ تحميل حوادث إطلاق نار وإلقاء قنابل، في مدينتي مالمو وغوتنبورغ، إلى العصابات المتحدّرة من أصول مهاجرة. حتى أن بعض السويديين يدّعون بأن "المنطقتين مغلقتان على السويديين وتسيطر عليهما عصابات مهاجرة". وما زاد الغضب الشعبي ضد لوفين، هو بدء تأمين اللاجئين أنفسهم حماية معسكرات اللجوء، ما دفع رئيس الحكومة للاعتراف بأن "العنف ينتشر ويجب التعامل معه بقسوة وحزم".

من جهته، كان رئيس الحكومة السابق من يمين الوسط فريدريك راينفلت، قد مهّد لمرحلة جديدة في الحياة الاجتماعية السويدية، مع إعلانه في الحملة الانتخابية العام الماضي، أنه "نريد أن نجعل السويد قوة عظمى بإنسانيتها"، في إشارة للانفتاح على استقبال اللاجئين، داعياً السويديين إلى "فتح القلوب لهم". ومع أن لوفين واظب على العمل في الاتجاه عينه، غير أنه ومع التوتر الشديد خلال عام، أخطأ، وفقاً لمراقبين، حين وصف "ديمقراطيو السويد"، بـ"فاشيون جدد".

الآن، يبدو تراجع المعتدلين ومعسكر يمين الوسط عن شعارات "عدم التعاون مع أوكسون وديمقراطيو السويد" واضحاً، بل يذهب بعضهم إلى حدّ عدم رفض فكرة أن يصبح أوكسون رئيساً لوزراء السويد. وتناسوا بالتالي حجم الفضائح التي كشفتها الانتخابات الأخيرة، العام الماضي، لناحية وجود نواب عن "ديمقراطيو السويد"، ومرشّحين شباب يؤمنون بالفكر النازي والفاشي علناً.

وتشير مختلف استطلاعات الرأي، حالياً، إلى تغيّر مزاج الناخبين، إلى الحدّ الذي يُمكن معه أن يصبح "ديمقراطيو السويد"، الحزب الأول، لو جرت انتخابات برلمانية حالياً. وقد ارتفعت نسبة تأييده من أغسطس/ آب الماضي بنسبة 2.1 في المائة، لتبلغ 27 في المائة حالياً. مع العلم أن 53 في المائة من الناخبين، يعتبرون مسائل الهجرة واللجوء من الأسئلة الأكثر إلحاحاً في المجتمع.

ويشبه اكتساح "ديمقراطيو السويد"، اكتساح مماثل لحزب "الشعب" اليميني الدنماركي، الذي بات الحزب البرلماني الثاني في كوبنهاغن، بنسبة 21.5 في المائة، متجاوزاً كل أحزاب اليمين ويمين الوسط، ويأتي في المرتبة الثانية، بعد "الديمقراطيين" الذين يسبقونه بأربعة نقاط فقط. ويتوقع خبراء الانتخابات أن يواصل "ديمقراطيو السويد" صعوده الصاروخي بين الناخبين، في سياق توجّه يميني اسكندنافي ملحوظ خلال العام الأخير.
ليس بالضرورة، وفقاً لدراسات اسكندنافية عدة، أن يكون التحوّل اليميني قائم على "العنصرية" و"معاداة المهاجرين" فحسب، على الرغم من أن بعض التحوّلات تحمل أيديولوجيات النقاء العرقي، غير أن المسألة أعقد وأعمق وتتعلق بالتحوّلات الكبيرة في الأحزاب والنقابات والقضايا الاقتصادية، بالإضافة إلى شعور كثير من المواطنين بأن دول الرفاهية لم تعد كما كانت، وبأن اليسار لم يعد يُعبّر (سواء الديمقراطيين الاجتماعيين، أو الاشتراكيين)، عن النموذج الوطني الذي يطمح إليه هؤلاء الناخبون. ويربط آخرون بين تلك التحوّلات وتحوّلات أكبر في القارة العجوز، تنعكس بطريقة أو أخرى على خطابٍ يجد في اللاجئين والمهاجرين "كبش فداء".
ويُلخّص تعبير لوفين عن صدمته، يوم الثلاثاء، من إحراق مركز استقبال طالبي لجوء، كل شيء، حين قال لوكالة الأنباء السويدية "تي تي"، إنه "شيء فظيع. الناس في المجتمع تأثروا بانتشار غياب الأمان، فالبشر يهربون إلى السويد بحثاً عن أمان. إنها ليست السويد التي أعرفها وأفتخر بها".

من المؤكد بأن لوفين صادق في كلامه عن أنها ليست السويد التي يعرفها الناس، لكن المعسكر الآخر المقابل للاشتراكيين يرى أيضاً بأن المسؤولية تقع على "غياب استراتيجية واضحة للتعامل مع أزمة اللاجئين، بعيداً عن العواطف والتضامن اللفظي، وغياب أفعال تخفف من التشنج السياسي الحاصل". كما يقلق معسكر يمين الوسط من تقدم اليمين المتشدد، وشيوع خطاب إعلامي وسياسي، خلال أشهر، يشبّهه البعض بـ"الشعبوي" وأحياناً بـ"الفاشي" المتحالف مع أمثاله في ألمانيا وباقي دول اسكندنافيا.

اقرأ أيضاً: حرائق معسكرات اللجوء تنتقل إلى السويد

دلالات