"دولة قناة السويس": غيّرت العالم ولم تغيّر مصر

04 اغسطس 2015
قناة السويس عام 1869
+ الخط -

في وقت تعود فيه قناة السويس إلى واجهة الحديث الإعلامي، خصوصاً بسبب ما تعيشه مصر من احتفالات في انتظار افتتاح الممر الجديد للقناة، بثت أمس "الجزيرة الوثائقية" العرض الأول لفيلم "دولة قناة السويس" من إنتاج وإخراج داود حسن.

يعيد الشريط سرد تاريخ قناة السويس، والذي هو بحسب مخرجه "تاريخ مصغّر للعالم". تبدأ القصة من قبل حفرها، فالحلم بإيجادها كان هو أيضاً أحد أسباب تحريك التاريخ من خلال محاولة القوى المحيطة بمصر السيطرة عليها.

عند هذه النقطة، يسير الفيلم في اتجاهين من أجل استقصاء جذور وخلفيات إنجاز فرديناند دي ليسب. يتخذ المخرج زاويتي نظر للإلمام بالمشهد؛ الأولى عبر الواقع المصري وتطوّر الحياة السياسية فيها، والثانية من داخل فرنسا حيث تبرز أكثر الدوافع وما وراء مجرد فتح قناة تربط بين البحرين المتوسط والأحمر.

يقول حسن في حديث لـ "العربي الجديد": "في الفيلم، أخذت خطاً وكأنني أسير في قناة السويس وفي تاريخها في الوقت نفسه. لم أستغرق في التاريخ، إذ حاولت الإلمام بالكليات أكثر من التفاصيل، عسى أن تكتمل الصورة في ذهن المشاهد".

يلاحظ حسن أنه في "معظم الأعمال التي نشاهدها عن قناة السويس، سواء عربية أو غربية، يكون تاريخها تفريعاً عن تاريخ الحروب في المنطقة. الفيلم يتحاشى هذه النظرة، أي أننا لا ننتقل من محطتي 1973 إلى 1979 مثلاً إلا بتوضيح ما حدث فيها بينهما، سواء على مستويات السياسة الدولية والمحلية أو على الجانب التجهيزي للقناة".

ينقسم الفيلم إلى جزئين، الأول بعنوان "القناة تملك مصر" ويأتي فيه على "مراودات الأوربيين" لحكام مصر من أجل حفر القناة، ثم إنجازها قبل أن تتحوّل الاتفاقيات المبرمة بسببها إلى أحد أسباب تفاقم أزمات مصر، وعلى رأسها المديونية التي تسبّبت في خسارة حريّتها بعد سنوات قليلة.

أما الجزء الثاني، فيحمل الاسم المعاكس، "مصر تملك القناة". ربما نكتشف بمرور العرض أن هذا العنوان لا ينطبق سوى على مرحلة انتقالية، بين 1956 تاريخ تأميم القناة وصولاً إلى 1967 تاريخ التفريط في السيادة المطلقة عليها حين احتل الإسرائيليون ضفتها الشرقية، ما تسبّب في إغلاقها ثم عودتها إلى مصر لكن تحت قيود "اتفاقيات السلام" التي كبّلت المصريين ولم تتح لهم الاستغلال الأسلم للقناة.

لعل من أبرز ما يضيفه عمل "دولة قناة السويس" هو توضيح الجوانب التقنية والتجهيزية وعملية تسيير القناة وتأمينها، حيث نكتشف الطاقات المخصصة لصيانتها والاعتناء بها.

ولعل آخر ما يبقى في ذهن المشاهد من العمل هو ذلك الأفق الذي يفتحه داود حسن على قدرات القناة. أفق يفتح على أسئلة قد تكون محرجة للغاية بالنسبة للدولة المصرية، ولكنه في النهاية يرسّخ في وعي المصريين حجم هذا "المشروع" الذي حبتهم به الجغرافيا.

وإن لم يتحدّث الفيلم عن الحدث المتعلق بالقناة اليوم، أي "قناة السويس الثانية" كما يسميها الإعلام الرسمي في مصر، فإنه في المقابل يضعنا أمام إنجازات مصرية أخرى عرفتها القناة مثل توسيعها سنة 1980 وإنشاء تفريعات فيها حيث يبين أن أهم جهود تطوير القناة تمت بين 1975 و1980.

كثيراً ما توظف قناة السويس في السياسة وفي لعبة السلطة في مصر، ويبدو أنه اليوم تلعب هذا دوراً مشابهاً. وفي عهود سابقة، حلم حكّام مصر، تحت إيعازات المستشارين والطامعين، أن يكون حفر القناة منعرجاً في تاريخ العالم. ولقد غيّرت قناة السويس العالم ولكنها لم تغيّر كثيراً من مصر.

المساهمون