يساهم قتال تنظيم "داعش" على جبهات طويلة ومعقدة في سورية، ضد القوات الكردية والمعارضة السورية فضلاً عن قوات النظام، باستنزاف التنظيم من الناحية البشرية بشكل كبير. وقد أدت خسارته لمعركة عين العرب أمام قوات حماية الشعب الكردية، المدعومة بقوات الجيش الحر وغارات طيران التحالف الدولي، إلى مقتل نحو ألف من عناصر التنظيم، بحسب تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان. من جهتها، ذكرت مصادر محلية في المدينة، أن لجان الخدمات البلدية في عين العرب جمعت أكثر من 150 جثة لعناصر تركهم التنظيم من بين ركام المنازل والأبنية المدمرة في الأسبوعين الأخيرين. كما دفعت خسارة "داعش" للمعركة الكثير من منتسبيه السوريين والأجانب إلى الفرار وترك التنظيم.
لكن ما يساعد استنزاف التنظيم أيضاً أنه يخسر المزيد من عناصره جراء تواصل غارات طيران التحالف الدولي عليه. وقد شنت أكثر من عشر غارات على نقاط تمركز "داعش" في ريف الحسكة وريف الرقة في اليومين الأخيرين. كما تتواصل الاشتباكات بشكل شبه يومي بين قواته وقوات النظام في مدينة دير الزور وفي محيط مطارها العسكري. ويضاف إلى ذلك الاشتباكات المستمرة بين التنظيم من جهة وقوات المعارضة والقوات الكردية من جهة ثانية في ريف حلب الشرقي وفي ريف الحسكة الشمالي.
ولا يبدو التنظيم قادراً على تعويض خسائره. وأوضح الناشط مؤيد الحمد لـ"العربي الجديد" أن الجانب التركي من الحدود المقابل لمناطق سيطرة "داعش" في سورية، بات يشهد في الأيام الأخيرة تشديداً غير مسبوق من قبل قوات الشرطة العسكرية التركية "الجندرما" التي تسيّر دوريات على مدار الساعة لحظر دخول أي شخص إلى سورية من خارج معبر تل أبيض الرسمي. وتهدف هذه الإجراءات إلى منع أي مقاتلين أجانب من الالتحاق بالتنظيم.
إقرأ أيضاً: تدريب المعارضة السورية: تركمان حلب لقتال "داعش" والنظام
إزاء هذه التطورات، بدأ التنظيم مساعيه لتجنيد السوريين من أبناء المناطق التي يسيطر عليها في سورية. ونشر نشطاء حملة "الرقة تذبح بصمت"، وهم مجموعة من النشطاء الذين يعملون بشكل سري في مناطق سيطرة "داعش" في سورية، معلومات عن اجتماع قياديين ميدانيين في التنظيم بممثلي عشائر المشهور والسرامدة والبوعساف والنعيم والمنيف والبشاشمة، ليطلبوا منهم تطويع ألف مقاتل في صفوف التنظيم بهدف دعم قواته التي تحاول التصدي لتقدم الجيش السوري الحر وقوات حماية الشعب الكردية في ريف الرقة الشمالي وفي ريف حلب الشرقي. وأوضح نشطاء الحملة أن هذا الطلب قوبل بالرفض من قبل ممثلي العشائر بسبب الخسائر الكبيرة التي باتت عمليات "داعش" الميدانية تتميز بها وبسبب استمرار غارات طيران التحالف الدولي على مناطق تمركز داعش في سورية.
وضع دفاعي
وقد أجبرت هذه التطورات قوات "داعش" على معظم جبهات القتال في سورية إلى التحول إلى وضع دفاعي فقد معه التنظيم عنصر المبادرة الذي كان يعتمد عليه في ضرب أعدائه. وهو ما انعكس بتراجعه ميدانياً.
وأوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تقرير إجمالي أصدره أخيراً حول حصيلة المعارك في عين العرب، أن قوات حماية الشعب الكردية والجيش السوري الحر، المكون من لواء ثوار الرقة وكتائب شمس الشمال، استعادت السيطرة على 242 بلدة وقرية في ريف عين العرب بعد تمكنها من السيطرة على المدينة قبل نهاية الشهر الماضي.
إقرأ أيضاً: تركيا تتوغل داخل سورية: "سليمان شاه" بروفا لعمليات مقبلة؟
وأكد المرصد أن المناطق التي باتت خاضعة للقوات الكردية والجيش الحر تشمل تسع عشرة بلدة وقرية داخل الحدود الإدارية لمحافظة الرقة السورية، لافتاً إلى أن سيطرة هذه القوات على هذه المنطقة مكّنتها من قطع أوتوستراد "رودكو". وهو الطريق السريع الذي يصل محافظة حلب شمال سورية بمحافظة الحسكة في أقصى شرقها، ويعد طريقاً استراتيجياً بالنسبة لـ"داعش".
من جهةٍ ثانية، أكدت مصادر محلية في مدينة تل أبيض السورية، الواقعة على الحدود التركية شمال مدينة الرقة، أن قوات حماية الشعب الكردية والجيش الحر باتت على بعد أقل من خمسة وعشرين كيلو متراً من مدينة تل أبيض، التي تعتبر أهم المدن التي يسيطر عليها "داعش" على الحدود السورية التركية. وفي السياق نفسه، أوضح الناشط حسن عبد الكافي، لـ"العربي الجديد" أن هذه القوات باتت أخيراً على بعد أقل من ستة كيلومترات من جسر قرقوزاق الاستراتيجي الذي يقطع نهر الفرات قرب مدينة منبج في ريف حلب الشرقي ليصل محافظة حلب بشرق سورية. وهو أهم الجسور التي تصل محافظة حلب بمناطق الجزيرة السورية الواقعة شمال نهر الفرات. ويتمتع بأهمية استراتيجية خاصة لدى "داعش" الذي حشد قوات كبيرة للدفاع عنه من المنطقة الممتدة من قرية الجعدة التي يسيطر عليها التنظيم قرب بلدة الشيوخ في ريف حلب الشرقي وصولاً إلى بلدة صريّن الواقعة في ريف مدينة منبج.
وقد دفع التراجع الميداني الكبير لتنظيم "الدولة الإسلامية" في ريف حلب الشرقي التنظيم إلى محاولة الأخير شنّ هجوم معاكس في المنطقة بهدف استعادة بعض المناطق التي خسرها أخيراً.
وفي السياق، أوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان أن "داعش" حاول التقدم في مناطق سيطرة قوات حماية الشعب الكردية والجيش الحر قرب جسر قرقوزاق. كما حاول بشكل متزامن إحراز تقدم في منطقة أوج كارديش في ريف الرقة الشمالي بهدف استعادة المناطق التي استولت عليها وحدات حماية الشعب، في إطار مساعيه لإعادة فرض سيطرته الكاملة على أوتوستراد "رودكو" الذي يصل مناطق سيطرة "داعش" في ريف حلب الشرقي بمناطق سيطرته في ريف الحسكة. ووفقاً للمرصد، نتج عن الاشتباكات التي اندلعت في المنطقة، مقتل ثلاثة عناصر على الأقل من وحدات حماية الشعب الكردية في مقابل مقتل تسعة آخرين من "داعش".
ويجري كل ذلك في الوقت الذي تتواصل فيه الاشتباكات بين الطرفين على جميع خطوط التماس بينهما في ريف حلب الشرقي. وتحاول قوات حماية الشعب الكردية والجيش السوري الحر إحراز المزيد من التقدم على جبهات القتال القريبة من مدينة جرابلس في ريف حلب الشرقي. كما تحاول إجبار "داعش" على الانسحاب من معمل "لافارج" للإسمنت الواقع قرب بلدة صريّن التي يسيطر عليها التنظيم.
ولا يقتصر الضغط الذي يتعرض له "داعش" على جبهات القتال ضد القوات الكردية والمعارضة السورية على ريف حلب الشرقي فحسب، فقد شنّت قوات حماية الشعب الكردية في اليومين الأخيرين هجوماً كبيراً على مناطق "داعش" في ريف بلدة تل حميس الواقعة شمال مدينة الحسكة في أقصى شمال شرق سورية لتتمكن من السيطرة على أكثر من عشرين قرية في المنطقة، بحسب شهود عيان.