"داعش" يفتح جبهة كركوك لإحياء الخلاف بين بغداد وأربيل

بغداد

أكثم سيف الدين

avata
أكثم سيف الدين
23 أكتوبر 2016
99458E58-9CAD-44CF-9C92-DCBCEF1AA8DC
+ الخط -
لم يكن الهجوم المفاجئ الذي شنّه تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش) على محافظة كركوك العراقية عشوائياً وغير مدروس. فهذه المحافظة تعتبر نقطة خلاف رئيسية بين حكومتي بغداد وأربيل. وما أن التأم الطرفان عسكرياً في معركة الموصل متجاوزين أزماتهما المزمنة، حتى ضرب "داعش" هذا الوفاق بالصميم. وساهم الهجوم غير المتوقع والخاطف في منطقة تسمى بـ"قنبلة الصراع" العربي - الكردي، بإرباك الطرفين، وخلق أزمة جديدة لهما، وأعاد خلط الأوراق والحسابات العسكرية والسياسية من جديد. ولعل النتيجة الميدانية المباشرة التي قد يحققها هجوم كركوك هي شق التعاون العسكري بين الطرفين في الموصل، وفتح الباب أمام عدة احتمالات، كلها ستؤثر سلباً على معركة تحريرها.

واختار "داعش"، على ما يبدو، توقيتاً مدروساً لشنّ الهجوم. فمع انهماك القوات العراقية وقوات البشمركة في معركة الموصل، استغلّ التنظيم الفرصة ليهاجم كركوك وليضرب الوفاق الكردي - العربي الهش. من شأن تحركه أن يفتح باب انسحاب القوات الكردية من الموصل للدفاع على كركوك، الأمر الذي سيغيّر خارطة المعركة ويبعثر أوراقها من جديد. وهو ما قد يصعب على الجانب العراقي إعادة ترتيبها، كما رأى بعض الخبراء.

والعنصر الذي يساهم في تفاقم المأزق، يتمثل في تحرّك مليشيات "الحشد الشعبي" بكثافة نحو كركوك تحت حجة صد "داعش". وهو الأمر الذي أثار مخاوف الأكراد من استغلال هذه المليشيات انشغال البشمركة بمعركة الموصل وإحداث تغيير ديموغرافي في المحافظة، الأمر الذي أجّج حدة الخلاف حول مصير المحافظة وعزز من احتمال انسحاب البشمركة من جبهة الموصل.

في هذا السياق، قال مصدر عسكري لـ"العربي الجديد"، إنّ "قيادة قوات البشمركة تدرس سحب جزء من قواتها التي تقاتل في محور الخازر في الموصل، ودفعها باتجاه محافظة كركوك، لحمايتها من تنظيم داعش"، مبيناً أنّ "انسحاب أي قوة من البشمركة سيؤثّر على سير معركة الموصل وعلى التقدم باتجاه المدينة من هذا المحور وسيربك سير المعركة، الأمر الذي يتطلّب إعادة حسابات معركة الموصل منذ الآن والأخذ بكافة الاحتمالات". وأكّد النائب عن التحالف الكردستاني، عبد القادر محمد، لـ"العربي الجديد"، أنّ "محافظة كركوك لم تحرّر بشكل كامل بعد هجوم داعش عليها، وأنّ التنظيم لا يزال يحتفظ بجيوب كثيرة داخل المحافظة"، ذاكراً أنّ "هجوم داعش على كركوك هو استهداف سياسي، إذ إنّ التنظيم يسعى لضرب التعاون العسكري ما بين بغداد وأربيل لإثارة الأزمات السياسية ولإضعاف جبهة الموصل". ولم يستبعد محمد "انسحاب قوات من البشمركة إلى كركوك لأجل تحصينها من هجمات داعش، لما تمثله هذه المحافظة من أهمية كبيرة لدى حكومة كردستان".


ثغرة الحويجة
وحمّل النائب الكردي، هوشيار عبد الله، رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، "مسؤولية ما حدث في كركوك". وقال من خلال بيان صحافي، إن "عدم تحرير بلدة الحويجة في كركوك من قبضة تنظيم داعش هو أحد أهم أسباب تكرار تسلل عناصر داعش لأكثر من مرة إلى مدينة كركوك، واستهداف المدنيين والمناطق السكنية والدوائر الحكومية، في محاولة لزعزعة الاستقرار في المدينة والتقليل من زخم المعركة في الموصل". وحمّل الحكومة العراقية ورئيسها "المسؤولية عن تأخير تحرير الحويجة وتجاهلها لأكثر من مرّة المطالبات بتحريرها قبل البدء بعملية تحرير الموصل".

وشدّد عبد الله، وهو عضو في لجنة الأمن البرلمانية، على أن "عدم تحرير الحويجة قبل الموصل خطأ استراتيجي فادح، ومن المؤسف أنّ الحكومة العراقية وعلى رأسها القائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي، لم يكترث إلى هذا الخلل"، وفق تعبيره.

زيارة كارتر
في غضون ذلك، وصل وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، إلى بغداد في زيارة غير معلنة، بالتزامن مع معركة الموصل وتداعياتها. ورأى نائب عن تحالف القوى العراقيّة أنّ "كارتر حمل في أجندته ملفين رئيسيين، وهما الحفاظ على التنسيق بين الجانبين العراقي والكردي في معركة الموصل وإدارة المعركة، وملف إشراك القوات التركية في المعركة". وقال خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إن "هجوم داعش على كركوك جاء خارج الحسابات، وقد يعيد الأزمات السياسية بين بغداد وأربيل، ويضعف جبهة الموصل"، مبيناً أنّ "كارتر يسعى للسيطرة على ذلك، والعمل على إدامة التنسيق المشترك بين الطرفين". وأضاف النائب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنّ "كارتر يضغط أيضاً على الحكومة العراقية لإشراك القوات التركية في معركة الموصل، باعتبار أن تلك القوات ضمن التحالف الدولي"، مرجحاً "إمكانية نجاح كارتر في مساعيه، خصوصاً أنّ معركة الموصل ليست معركة سهلة".

بدوره، اعتبر الخبير السياسي، سالم العبطان، أن "هجوم داعش على كركوك يمثّل خطوة خطيرة جداً في البعدين السياسي والأمني، وهو من أهم أسباب زيارة كارتر المفاجئة". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "داعش استهدف كركوك المحافظة ذات الصراع العربي - الكردي، لما تمثّله من أهمية كبيرة لدى كردستان والتي تعدّها محافظة تابعة للإقليم"، مشيراً إلى أن هدف "داعش" يتمثل بـ"إعادة الخلاف من جديد بين حكومتي بغداد وأربيل على مصير (كركوك)"، ومؤكداً أن "هذا الهجوم سيدفع باتجاه سحب قوات من البشمركة من الموصل لحماية كركوك والمحافظة عليها". وذكر أن "تحرك قطعات من المليشيات (الحشد الشعبي) باتجاه كركوك هو أمر رفض من قبل حكومة (كردستان)، والتي سبق أن اشتبكت قواتها مع المليشيات في المحافظة"، مبيناً أن "وجود هذه المليشيات المعروفة بأطماعها في كركوك زاد من حدّة الأزمة التي قد تتطور إلى انسحاب قوات البشمركة من الموصل للحفاظ على كركوك، الأمر الذي قد يربك جبهة الموصل بشكل غير متوقع". وأشار إلى "أهمية السيطرة على هذه الأزمة قبل أن تتسع، وأن تتحرّك الحكومة العراقية باتجاه إدامة التعاون العسكري مع الأكراد"، مرجحاً أن يضع الأكراد "شروطاً جديدةً على الحكومة العراقية في هذه الأزمة، الأمر الذي قد يدفع حكومة بغداد لتقديم تنازلات كبيرة لاحتواء الموقف سياسياً وأمنياً".

يشار إلى أن أزمة محافظة كركوك الغنية بالنفط وذات التركيبة السكانية المختلطة (العرب والأكراد والتركمان والسنة والشيعة) تعد من أكبر الأزمات السياسية بين بغداد وأربيل، إذ إنّ إقليم كردستان يعتبرها تابعة له ويسعى لضمها للإقليم، فيما ترفض الحكومة العراقية ومكونات المحافظة ذلك، الأمر الذي جعل من هذه المسألة نقطة خلاف يصعب تسويتها.

ذات صلة

الصورة
أسلحة للعراق الجيش العراقي خلال مراسم بقاعدة عين الأسد، 29 فبراير 2024 (أحمد الربيعي/فرانس برس)

سياسة

كشفت مصادر عراقية لـ"العربي الجديد"، وجود ضغوط إسرائيلية على دول أوروبية وآسيوية لعرقلة بيع أسلحة للعراق وأنظمةة دفاع جوي.
الصورة

سياسة

أعلنت وزارة الدفاع التركية، ليل أمس الأربعاء، قتل العديد من مسلحي حزب العمال الكردستاني وتدمير 32 موقعاً لهم شمالي العراق.
الصورة
تظاهرة في بغداد ضد العدوان على غزة ولبنان، 11 أكتوبر 2024 (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

منوعات

اقتحم المئات من أنصار فصائل عراقية مسلحة مكتب قناة MBC في بغداد، وحطموا محتوياته، احتجاجاً على عرضها تقريراً وصف قيادات المقاومة بـ"الإرهابيين".
الصورة
زعيم مليشيا "أنصار الله الأوفياء" حيدر الغراوي (إكس)

سياسة

أدرجت وزارة الخارجية الأميركية حركة "أنصار الله الأوفياء" العراقية وزعيمها حيدر الغراوي، على قائمة المنظمات والشخصيات الإرهابية.