لم يكن الهجوم المفاجئ الذي شنّه تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش) على محافظة كركوك العراقية عشوائياً وغير مدروس. فهذه المحافظة تعتبر نقطة خلاف رئيسية بين حكومتي بغداد وأربيل. وما أن التأم الطرفان عسكرياً في معركة الموصل متجاوزين أزماتهما المزمنة، حتى ضرب "داعش" هذا الوفاق بالصميم. وساهم الهجوم غير المتوقع والخاطف في منطقة تسمى بـ"قنبلة الصراع" العربي - الكردي، بإرباك الطرفين، وخلق أزمة جديدة لهما، وأعاد خلط الأوراق والحسابات العسكرية والسياسية من جديد. ولعل النتيجة الميدانية المباشرة التي قد يحققها هجوم كركوك هي شق التعاون العسكري بين الطرفين في الموصل، وفتح الباب أمام عدة احتمالات، كلها ستؤثر سلباً على معركة تحريرها.
واختار "داعش"، على ما يبدو، توقيتاً مدروساً لشنّ الهجوم. فمع انهماك القوات العراقية وقوات البشمركة في معركة الموصل، استغلّ التنظيم الفرصة ليهاجم كركوك وليضرب الوفاق الكردي - العربي الهش. من شأن تحركه أن يفتح باب انسحاب القوات الكردية من الموصل للدفاع على كركوك، الأمر الذي سيغيّر خارطة المعركة ويبعثر أوراقها من جديد. وهو ما قد يصعب على الجانب العراقي إعادة ترتيبها، كما رأى بعض الخبراء.
في هذا السياق، قال مصدر عسكري لـ"العربي الجديد"، إنّ "قيادة قوات البشمركة تدرس سحب جزء من قواتها التي تقاتل في محور الخازر في الموصل، ودفعها باتجاه محافظة كركوك، لحمايتها من تنظيم داعش"، مبيناً أنّ "انسحاب أي قوة من البشمركة سيؤثّر على سير معركة الموصل وعلى التقدم باتجاه المدينة من هذا المحور وسيربك سير المعركة، الأمر الذي يتطلّب إعادة حسابات معركة الموصل منذ الآن والأخذ بكافة الاحتمالات". وأكّد النائب عن التحالف الكردستاني، عبد القادر محمد، لـ"العربي الجديد"، أنّ "محافظة كركوك لم تحرّر بشكل كامل بعد هجوم داعش عليها، وأنّ التنظيم لا يزال يحتفظ بجيوب كثيرة داخل المحافظة"، ذاكراً أنّ "هجوم داعش على كركوك هو استهداف سياسي، إذ إنّ التنظيم يسعى لضرب التعاون العسكري ما بين بغداد وأربيل لإثارة الأزمات السياسية ولإضعاف جبهة الموصل". ولم يستبعد محمد "انسحاب قوات من البشمركة إلى كركوك لأجل تحصينها من هجمات داعش، لما تمثله هذه المحافظة من أهمية كبيرة لدى حكومة كردستان".
ثغرة الحويجة
وحمّل النائب الكردي، هوشيار عبد الله، رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، "مسؤولية ما حدث في كركوك". وقال من خلال بيان صحافي، إن "عدم تحرير بلدة الحويجة في كركوك من قبضة تنظيم داعش هو أحد أهم أسباب تكرار تسلل عناصر داعش لأكثر من مرة إلى مدينة كركوك، واستهداف المدنيين والمناطق السكنية والدوائر الحكومية، في محاولة لزعزعة الاستقرار في المدينة والتقليل من زخم المعركة في الموصل". وحمّل الحكومة العراقية ورئيسها "المسؤولية عن تأخير تحرير الحويجة وتجاهلها لأكثر من مرّة المطالبات بتحريرها قبل البدء بعملية تحرير الموصل".
وشدّد عبد الله، وهو عضو في لجنة الأمن البرلمانية، على أن "عدم تحرير الحويجة قبل الموصل خطأ استراتيجي فادح، ومن المؤسف أنّ الحكومة العراقية وعلى رأسها القائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي، لم يكترث إلى هذا الخلل"، وفق تعبيره.
زيارة كارتر
في غضون ذلك، وصل وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، إلى بغداد في زيارة غير معلنة، بالتزامن مع معركة الموصل وتداعياتها. ورأى نائب عن تحالف القوى العراقيّة أنّ "كارتر حمل في أجندته ملفين رئيسيين، وهما الحفاظ على التنسيق بين الجانبين العراقي والكردي في معركة الموصل وإدارة المعركة، وملف إشراك القوات التركية في المعركة". وقال خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إن "هجوم داعش على كركوك جاء خارج الحسابات، وقد يعيد الأزمات السياسية بين بغداد وأربيل، ويضعف جبهة الموصل"، مبيناً أنّ "كارتر يسعى للسيطرة على ذلك، والعمل على إدامة التنسيق المشترك بين الطرفين". وأضاف النائب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنّ "كارتر يضغط أيضاً على الحكومة العراقية لإشراك القوات التركية في معركة الموصل، باعتبار أن تلك القوات ضمن التحالف الدولي"، مرجحاً "إمكانية نجاح كارتر في مساعيه، خصوصاً أنّ معركة الموصل ليست معركة سهلة".
يشار إلى أن أزمة محافظة كركوك الغنية بالنفط وذات التركيبة السكانية المختلطة (العرب والأكراد والتركمان والسنة والشيعة) تعد من أكبر الأزمات السياسية بين بغداد وأربيل، إذ إنّ إقليم كردستان يعتبرها تابعة له ويسعى لضمها للإقليم، فيما ترفض الحكومة العراقية ومكونات المحافظة ذلك، الأمر الذي جعل من هذه المسألة نقطة خلاف يصعب تسويتها.