وأكد "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أمس السبت، أن تنظيم "داعش" يواصل قتاله في آخر مدينة يسيطر عليها ضمن الأراضي السورية، مشيراً إلى أن التنظيم "يصعِّد هجماته في استماتة منه لرد هجوم المسلحين الموالين للنظام، وإجبارهم على التراجع إلى ضواحي مدينة البوكمال وباديتها"، مضيفاً أن عناصر التنظيم استعادوا السيطرة "شبه الكاملة" على البوكمال. وأوضح أن "الحشد الشعبي" العراقي، و"حزب الله" اللبناني و"الحرس الثوري" الإيراني، يحاولون الحفاظ على مواقع في القسم الجنوبي من المدينة، لافتاً إلى أن الطيران الروسي ومقاتلات النظام تنفذ عشرات الضربات الجوية التي طاولت مناطق في مدينة البوكمال، بالتزامن مع قصف مكثف بمئات القنابل وقذائف الهاون والدبابات والمدفعية والراجمات، ضمن سعي واحد هو إجبار "داعش" على ترك المدينة، والفرار منها، أو قتل كل مسلحي التنظيم في المدينة. وكان النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون قد حاولوا منذ يومين إسقاط المدينة إعلامياً، من خلال نشر بيانات صحافية مكتوبة ومصورة تؤكد انسحاب التنظيم من مدينة البوكمال، وسيطرة قوات النظام ومليشيات إيرانية مساندة لها عليها. وتؤكد مصادر محلية مطلعة أن قوات النظام والمليشيات، سواء المساندة لهذه القوات في سورية، أو تلك القادمة من الأراضي العراقية، لم تصل إلى قلب مدينة البوكمال، وأن الاشتباكات تدور بين مسلحي التنظيم ومليشيات "الحشد الشعبي" التي عبرت الحدود السورية من مدينة القائم العراقية المقابلة لمدينة البوكمال السورية. كذلك تشارك في المعارك قوات تتبع إلى "حزب الله" ومليشيا "النجباء" العراقية المرتبطة بـ"الحرس الثوري" الإيراني.
وعلى الرغم من أن "داعش" لا يزال يحاول الدفاع عن نفسه في معقله البارز الأخير في سورية، إلا أن سقوط المدينة بيد المليشيات يبدو محتوماً في ظل انهيار التنظيم، وفقدانه القدرة على المناورة على الأقل في الوقت الراهن. ويسعى التنظيم إلى استنزاف المليشيات ورفع التكلفة البشرية لها مقابل الحصول على مدينة تتمتع بموقع مهم في الشرق السوري، كونها تربط سورية والعراق. وبات من الواضح أن إيران تضع ثقلها العسكري في معركة البوكمال، كونها تلبي طموحات النظام الإيراني في إنشاء ممر بري طويل يربط طهران بالعاصمة السورية دمشق، ومنها إلى لبنان، حيث سواحل البحر الأبيض المتوسط. ويمر هذا الطريق عبر محافظة الأنبار العراقية التي يتراجع فيها تنظيم "داعش" أيضاً، إذ يوشك على خسارة آخر معاقله المهمة، وهي مدينة راوة، وبلدات في محيطها إثر خسارته مدينة القائم على الحدود العراقية السورية منذ أيام.
وبالتزامن مع احتدام معركة مدينة البوكمال، تجددت الاشتباكات بين "قوات "سورية الديمقراطية" (قسد)، المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وبين مسلحي تنظيم "داعش"، على محاور في ضفاف نهر الخابور وبالقرب من مدينة البصيرة في الريف الشمالي الشرقي لمدينة دير الزور. وذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أمس السبت، أن التنظيم شن هجوماً على "سورية الديمقراطية"، ترافق مع قصف عنيف ومتبادل بين الطرفين، مشيراً إلى أن التنظيم فجّر عربتين مفخختين في المنطقة. وتتحرك "قسد" في إطار عملية "عاصفة الجزيرة" التي أطلقتها منذ أكثر من شهرين، واستطاعت خلالها تحقيق تقدم، إذ تشير مصادر مقربة منها إلى أنها باتت تسيطر على أكثر من 30 في المائة من مساحة دير الزور شمالي نهر الفرات الذي يقسم المحافظة إلى قسمين. وتسعى هذه القوات للسيطرة على كامل المنطقة الواقعة شمال نهر الفرات، إثر سيطرتها على أهم آبار النفط ومحطات التجميع في شرقي سورية، وهي حقل العمر، وهو أكبر آبار النفط في سورية، ومعمل وحقل كونيكو، إضافة إلى التنك، وصيجان. وفي حسابات الربح والخسارة، تبدو "قوات سورية الديمقراطية"، والتي تتولى الوحدات الكردية مهام القيادة والتوجيه فيها، أكبر الرابحين في الصراع الدائر، إذ وضعت يدها على ثروة دير الزور النفطية، فيما خرجت قوات النظام والمليشيات التابعة إلى إيران خالية الوفاض على هذا الصعيد، إذ ركزت اهتمامها على استكمال المشروع الإيراني في إنشاء الهلال الشيعي في المشرق العربي.
وعلى صعيد ذي صلة، لا تزال مأساة مئات المدنيين المحاصرين في حويجة كاطع داخل مدينة دير الزور منذ عدة أيام من دون حل، وسط مخاوف من اقتحام قوات النظام المنطقة وارتكاب مجازر بحق المدنيين. وقدرت "قوات سورية الديمقراطية" عدد المحاصرين بنحو ألف، مشيرة، في بيان السبت، إلى أن محاولاتها إجلاء المحاصرين "تصطدم بتعنت قوات النظام السوري الذي يصر على منعهم من الخروج"، وفق البيان. وأشارت إلى وجود أطفال ونساء وشيوخ "ما زالوا عالقين في الجزيرة الفراتية، تحت القصف العشوائي وزحف قوات النظام إلى الجزيرة"، مؤكدة وجود مخاطر حقيقية تتهدد حياة هؤلاء، لافتة إلى أن قوات النظام "تصر على سد كل المنافذ أمام هؤلاء المدنيين، والتهديد بقصفهم إذا تحركوا شمالاً". وأكدت "قسد" استعدادها "لأي إجراء، وتقديم كل التسهيلات المطلوبة للحفاظ على حياة هؤلاء المحتجزين"، مطالبة مؤسسات حقوق الإنسان الضغط على النظام "من أجل فتح ممر إنساني يسمح لهؤلاء المدنيين العالقين بالعبور والخروج من هذه الجزيرة إلى المناطق الآمنة". ومن المعروف أن قوات النظام تقوم بعمليات تصفية، وانتقام عشوائي بحق المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها، سواء كانت تحت سيطرة المعارضة أو تنظيم "داعش"، وهو ما يعزز المخاوف من وقوع مجازر بحق المحاصرين في حويجة كاطع في حال استطاعت اقتحامها.