"داعش" يستثمر الفراغ

16 سبتمبر 2014
الفراغ السياسي وراء صعود "داعش" (أرشيف/getty)
+ الخط -
نجحت ثورات الربيع العربي في زلزلة الأنظمة التابعة للعم "سام الأميركي"، ولا سيما أن هذه الأنظمة شاخت في مواقعها وأصبحت هشة ممّا سهل سقوط بعضها. وفي ظل معركة الثورة مع الثورة المضادة طفت على السطح إشكالية ملء الفراغ السياسي والاقتصادي، الذي أحدثه سقوط الأنظمة المتوالي في تونس ومصر واليمن وليبيا وحصار النظام السوري وأخيراً السقوط المروع لنظام نوري المالكي رئيس وزراء العراق السابق. وفي إطار الفراغ الذي بدا واضحاً في المنطقة، طرحت التيارات، سواء الإسلامية أو العلمانية أو اليسارية، نفسها على الشعوب لسد فجوات السلطة، وتصدر التيار الإسلامي وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين المشهد، وفاز الإخوان في تونس ومصر ونجحوا إلى حد ما في الأولى وتعثروا بل وأبعدوا عن الحكم عبر العسكر في الثانية. وفي الدول الأخرى (ليبيا وسورية واليمن) لم يستطع أحد ملء الفراغ حتى الآن، إذ تدور معارك طاحنة بين الثورات والثورات المضادة. وفوجئنا جميعاً بتنظيم غامض بلا رؤوس واضحة، وملثمي الوجه والفكر والتمويل، يتقدم لملء الفراغ، نعم طرح تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" نفسه بديلاً للجميع وهذا سر نجاحه في تحقيق تقدم ملموس على الأرض، فلم يكتف بالمقاومة كما تفعل الثورات الوليدة، ولكنه شكل نظاماً جديداً سياسيّاً واقتصاديّاً وعسكريّاً في المناطق التي سيطر عليها، بل ومجتمعيّاً عبر تنفيذ أحكام قاسية للسيطرة على الأوضاع، والأهم أنه استطاع أن يتمدد إلى دول عدة بالطريقة نفسها، وفي التوقيت نفسه تقريباً. وبعيداً عن غموض هذا التنظيم، ومن يموله ويقف وراءه؟ هل أجهزة مخابراتية؟ أم تمويل ذاتي من بعض الفئات الشعبية التي تعرضت للظلم؟ أم عن طريق بيعه النفط بعد سيطرته على حقول النفط؟. قد لاقى التنظيم ترحيباً في سورية والعراق ودولٍ أخرى بسبب تدهور أوضاع الشعوب وهشاشة الأنظمة التي صنعها الغرب ممّا أوجد مناخاً مواتياً لنموه وترعرعه. وأعتقد أن أميركا والأنظمة العربية التابعة لها قد تنجح في حصار داعش بل والقضاء عليه، إلا أنها لن تستطيع ملء الفجوة التي أحدثتها ثورات الربيع العربي في المنطقة بزلزلة عروش الحكام الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد .. لن يهنأ أحد في المنطقة إلا بعد أن تحقق الشعوب الثائرة أهدافها بخلق ديمقراطيات حقيقية تنتج لهم العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
المساهمون