"داعش" وإستراتيجية المستقبل

02 أكتوبر 2015
+ الخط -
يجمع المحللون والباحثون والخبراء العسكريون، خلال المحاضرات والندوات والجلسات الحوارية التي تخصص لدراسة تنظيم "داعش" نشأة وتطوراً ومستقبلاً، على عظم المكاسب التي حققها التنظيم من خلال خلق صورة مرعبة له كتنظيم لا يقهر، صورة مكنته من التمدد على مساحات شاسعة دون أن يخوض حرباً حقيقية مع القوات النظامية في كل من العراق وسورية، ويدللون على أثر الصورة المرعبة في تحقيق أهداف التنظيم التمددية غير المكلفة باحتلاله مدينة الموصل، والتي تقول الروايات إن التنظيم سيطر عليها باستخدام زمامير السيارات التي أقلت مقاتليه خلال عملية الاقتحام، والملامح القاسية لهؤلاء المقاتلين الذين تجمعوا من مختلف أصقاع الأرض.

ما حدث في الموصل تكرر في العديد من المناطق التي باتت خاضعة لنفوذ التنظيم، ورغم تكرار ذات الإستراتيجية الداعشية فإن النجاح ما يزال حليفها، من دون أن يتمكن المتحالفون دولياً ضد التنظيم، وأعدائه من خارج التحالف الدولي، من تطوير إستراتيجية تواجه خططه التي تكررت حد الملل.

خلال تمدد التنظيم غير المكلف، بل والمربح نتيجة سيطرته على ما تخلفه القوات الهاربة من أسلحة، ووراثته لثروات تلك المناطق التي تشكل رافداً لاقتصاده، كان إعلان التنظيم لفرض سيطرته كافياً لتسليم الدول التي تحاربه بصدق إعلان التنظيم، ما ساهم في تهيئة سكان المناطق الجديدة التي يتمدد التنظيم عليها لرفع الرايات البيضاء باستقباله، فهو لا يقهر.

أبعد من الصورة المرعبة التي يعتمدها المحللون لفهم قدرة التنظيم على التمدد غير المكلف، تبدو تفاصيل أكثر أهمية، فالتنظيم لم ينجح خلال جميع "غزوات" التمدد، باعتماده إستراتيجية الرعب فقط، بل الترويج لـ "إستراتيجية المستقبل" التي تتمثل بجملة القوانين "الشرعية" التي يفرضها على المناطق التي يتمدد عليها من ضرائب وتطبيق للحدود وما يستحدثه من مؤسسات "شرعية"، وكل ذلك يتزامن مع عملية الاقتحام ويسبق السيطرة على الأرض. صنعت "إستراتيجية المستقبل" التي يعتمدها التنظيم صورة تفوق قدراته على الأرض، ومنحته الوقت الكافي لإحكام سيطرته نتيجة انشغال أعدائه بتحليل مستقبله وليس واقعه، وهم للآن منشغلون بتحليل مستقبله.