"إما أنهم أغبياء، أو يريدون خدمة إسرائيل وأميركا". بهذه العبارة، يصف أحد مشايخ السلفيين البارزين في لبنان إعلان "دولة الخلافة الإسلاميّة" من قبل تنظيم "داعش". برأي هذا الشيخ، فإن هذه الخطوة تدعم مشروع تفتيت المنطقة العربية وإعادة رسم خريطتها السياسيّة كما يُريد الأميركيون والإسرائيليون. ويعتقد أيضاً أن هذا الإعلان يضرب الحراك الشعبي العربي.
لا يختلف الكثير من رجال الدين في لبنان مع هذا الموقف. قلّة تجرؤ على إعلان ذلك جهاراً، "فهناك بضعة أفراد يقولون إنهم ينتمون إلى داعش، ولا تلاحقهم الأجهزة الأمنية، ويقومون بتهديد المشايخ الذين يُجاهرون بالاختلاف مع داعش"، يقول أحد رجال الدين من طرابلس، شمال البلاد. ويُضيف أن أحد هؤلاء أرسل ليل الأحد ــ الاثنين صورة لصَلب بعض معارضي "داعش" مرفقة مع عبارة: "ستَلقون هذا المصير".
لا يختلف الكثير من رجال الدين في لبنان مع هذا الموقف. قلّة تجرؤ على إعلان ذلك جهاراً، "فهناك بضعة أفراد يقولون إنهم ينتمون إلى داعش، ولا تلاحقهم الأجهزة الأمنية، ويقومون بتهديد المشايخ الذين يُجاهرون بالاختلاف مع داعش"، يقول أحد رجال الدين من طرابلس، شمال البلاد. ويُضيف أن أحد هؤلاء أرسل ليل الأحد ــ الاثنين صورة لصَلب بعض معارضي "داعش" مرفقة مع عبارة: "ستَلقون هذا المصير".
تُرجم هذا الولاء المفترض من بعض الأفراد، بمبايعات فردية في مدينة طرابلس، أعلن خلالها بعض أبناء شمالي لبنان ولاءهم للدولة المفترضة. أحد هؤلاء سمى نفسه "أبو الدرداء الأنصاري". كما رفعت في بعض المناطق اللبنانيّة أعلام هذه "الدولة"، من دون أن يعني مجرد رفع راية التوحيد، الانتماء "لداعش".
تعامل اللبنانيون مع إعلان "دولة الخلافة" بكثير من السخرية. وحدها الأحزاب والقوى ذات البُعد الإسلاميّ لم تتعامل معه بهذه السخريّة. ضمنياً الجميع ضد هذا الإعلان. حتى الاسلاميون لا يرون شروط الخلافة متوافرة بأبي بكر البغدادي، ولا هي موجودة في "الدولة" المفترضة. كما أن هؤلاء يُجمعون على أن خطوة تنظيم "داعش" تنم عن استعجال. يُردد هؤلاء بأن الصراع المسلّح في العراق مع السلطة الرسميّة التي يرأسها نوري المالكي، غير محصور بـ"داعش" فقط، بل بقوى تمثّل "النسيج العراقي". لكن لم يصدر بيان حتى اللحظة عن هذه القوى بعد؛ هاتف المسؤول الإعلامي في حزب التحرير، أحمد القصص، مغلق. أما المسؤول الإعلامي في الجماعة الإسلامية، وائل نجم، فقال في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "لا موقف حتى اللحظة" لدى الجماعة الاسلاميّة "وانتظروا في الساعات المقبلة أو يوم غد حتى يتوفر موقف". كذلك الحال بالنسبة لهيئة العلماء المسلمين التي لم تُصدر بياناً، رغم أن أعضاء فيها يسعون لصدور بيان يُندد بهذا الإعلان.
وعلم "العربي الجديد" أن بعض رجال الدين يسعون مع مختلف القوى الإسلاميّة لعقد اجتماع وإصدار موقف موحد ضد ما حصل، أو إصدار كل فريق موقفه على حدى، ولكن مع الاتفاق على الجوهر. أمّا تيار المستقبل، فيعود بالسائلين إلى موقف رئيسه سعد الحريري الحاسم ضد "داعش" وجبهة النصرة، ويقول أحد المسؤولين فيه "نحن نحارب داعشَيْن"، قاصداً "داعش" و"حزب الله".
في الأسابيع الماضية، أكّد وزير الداخليّة اللبنانيّة نهاد المشنوق وعدد من الضباط الأمنيين عدم وجود خلايا "لداعش" في لبنان. استند هذا الكلام إلى معطيات أمنية، تقاطعت مع معلومات يؤكّدها الإسلاميّون لجهة مغادرة معظم المقربين من "داعش" وجبهة النصرة إلى سورية عبر تركيا، بعد مضايقة القوى الأمنيّة لهم، مع بدء تطبيق الخطة الأمنيّة في مارس/آذار الماضي. كما شعر هؤلاء المتشددون بأن المناخ العام في لبنان لا يُشكّل بيئة حاضنة له.
لكن التفجيرات التي حصلت في لبنان، الأسبوع الماضي، أشارت إلى وجود خلايا لهذا التنظيم في لبنان، وقد بيّنت التحقيقات في خلية فندق "دي روي" في بيروت، على ارتباط الانتحاريين بـ"داعش". اللافت في هذه الجولة من التفجيرات ان الانتحاريين غير لبنانيين، ما يوحي بعدم قدرة "داعش" على تجنيد عدد كبير من اللبنانيين، فاقتصر عمل اللبنانيين المجندين مع "داعش" على تأمين الأحزمة الناسفة والمتفجرات والدعم اللوجستي.
توحي هذه المعطيات بوجود قدرة لدى "داعش" على خرق الساحة اللبنانيّة، لكنها غير قادرة على العمل بأريحيّة. لكن الأهم، هو أن هذه التفجيرات تُشير إلى أن هذا التنظيم، يرى في لبنان أرضاً للقتال.
لكن الساحة غير مغلقة تماماً في وجه هذا التنظيم. هذا ما يُكرره العديد من الإسلاميين. يقول هؤلاء، إن هذا التنظيم ودولته الجديدة، باتوا يملكون من الأموال كمّاً كبيراً، يسمح لهم بدفع رواتب عالية تدفع الشباب للانتساب إلى هكذا تنظيم، وخصوصاً مع حالة الفقر وعدم الوعي السائدة. لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد بالنسبة لهم، ذلك أن "على حزب الله أن يعي الحالة التي وصل إليها السنة في لبنان من احتقان بسبب مشاركته في القتال في سورية. عليه أن يتخذ خطوة جريئة في هذا المجال، والأسوأ إذا ما قرر أن يُشارك في القتال في العراق".
يعتقد الإسلاميون أن هناك دوراً لحزب الله وللدولة اللبنانيّة إلى جانب دور الاسلاميين وتيار المستقبل. ويلفت هؤلاء إلى أن علاج هذه الظاهرة لا يكون بالعمل الأمني، الذي، وإن قضى على مجموعة ما، فستخرج مجموعات أخرى غيرها، بل إن محاربة هذه الحالة تكون بخطة سياسية ــ اقتصادية ــ اجتماعية ــ قضائية. يتساءل هؤلاء عن معنى توقيف شاب في طرابلس بتهمة إطلاق النار في الهواء في السابع من مايو/أيار 2008، "يوم اجتاح حزب الله بيروت ولم يحاسبه أحد". كما يُشير هؤلاء إلى عدم حماية رجال الدين الذين يواجهون "داعش" فكرياً، لا بل بعضهم يحاربونها.
وسبق لهيئة العلماء المسلمين أن أصدرت، منذ أيام، "وثيقة الحراك السني في لبنان"، دعت فيه إلى إغلاق "ملف الموقوفين الاسلاميين (لدى السلطات اللبنانية من دون محاكمات) ووقف التمييز الطائفي ضد أهل السنة والجماعة". ورأت الهيئة إن "الطائفة السنية في لبنان هي جزء لا يتجزأ من الحراك السني الذي ينتفض ضد مشاريع الهيمنة على المنطقة من بغداد إلى بيروت". ودعت الهيئة أحرار لبنان والعالم إلى مؤازرتها في عدد من المطالب أبرزها "إبطال الأحكام الصادرة ضد الاسلاميين، واعتبارها أحكاماً باطلة بطلاناً مبرماً، لما لابسها من ظروف وانتهاكات، وإطلاق سراح كافة الموقوفين الاسلاميين ومحاكمة المسؤولين عن تأخير محاكمتهم وتعويض الموقوفين وعائلاتهم عن الأذى البالغ الذي لحق بهم". كل ذلك إضافة إلى مباشرة تنفيذ الخطط والوعود الإنمائية لـ"كافة مناطق أهل السنة المحرومة وتحديداً العاصمة الثانية طرابلس، والتي بقيت حبراً على ورق لسنوات طويلة".
ومما هو واضح في لائحة المطالب التي رفعتها هيئة علماء المسلمين، فإن مشاركة تيار المستقبل في الحكومة لم تستطع "تخفيف الظلم اللاحق بنا"، كما يقول أحد الإسلاميين في طرابلس. لذلك، فإن مواجهة ظاهرة "داعش" ودولتها، التي تُعيدنا مئات السنين إلى الوراء، باتت ضرورة، وهي غير ممكنة بالشكل الذي يُدار فيه البلد حالياً.
ربما يشكل خطر "داعش" فرصة للبنانيين لإعادة صياغة علاقتهم السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية.