إلا أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، "داعش"، ما لبث أن فرض سيطرته بالكامل على المدينة في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، وطرد فصائل المعارضة، وبينها "جبهة النصرة" من المدينة، بعدما كانت طرفاً في القتال معه. وبعد نشوب خلافات ومعارك شرسة بينه وبين فصائل المعارضة، ارتكب خلالها مذابح بحق فصيل "أحرار الشام" التابع لـ"الجيش الحر"، الذي كان يحاصر الفرقة 17 التابعة لقوات النظام (القوة الوحيدة المتبقية للنظام في المحافظة)، أعلنت فصائل المعارضة انسحابها، مضطرة، من الرقة التي أعلنها "داعش" ولاية تابعة له.
وبدأ تنظيم "داعش" بفرض نمط "إسلامي" متشدد على أهالي المدينة، ما أدى إلى تصاعد مطالبهم بوجوب تخليصهم من سطوة التنظيم، التي باتت تؤرق حياة الأهالي.
ويقول الحاج عبد الباري، وهو أحد أبناء الرقة، لـ"العربي الجديد"، إن الحياة في المدينة باتت أشبه بسجن كبير. وتحدّث عن جملة من التصرفات "الغريبة" التي يقوم بها "داعش" بحق المدنيين، لكنه ألقى باللائمة على قوات المعارضة لسكوتها عن احتلال "داعش" للمدينة وتصرفاته تجاه أهاليها. ورأى أن "داعش" يمثل النظام، بدليل أن الرقة، وخلافاً لبقية المدن والمناطق السورية الأخرى، لا تشهد قصفاً من قوات النظام إلا نادراً.
وأشار الحاج عبد الباري إلى حالات الاعتقال التعسفي والإعدامات الميدانية التي يتعرض لها الأهالي على يد "داعش"، فضلاً عن تدخل جهاز "الحسبة"، الذي أنشأه "داعش" في كل صغيرة وكبيرة من تفاصيل الحياة اليومية في المدينة.
"داعش" والعشائر
يعود تاريخ مدينة الرقة، بحسب المصادر التاريخية، إلى عهد الدولة العباسية، وتحديداً إلى عهد الخليفة المنصور، وينتمي معظم أبنائها إلى العشائر، إذ تحكمهم جملة من العادات القبليّة المتوارثة.
ويتحدث الناشط حمود الرشيد، وهو من أبناء المدينة، عن "سياسة داعش" تجاه أهالي المدينة، إذ يقول إنه "منذ بداية دخول هذا التنظيم إلى المحافظة عَمِل على استمالة العشائر إلى صفّه عبر أساليب الترهيب والترغيب، فأغرى بعض العشائر القوية، بالمال والسلطة، كما واجه بعضها الآخر، الذي عُرف سابقاً بموالاته للنظام، بلغة التهديد والوعيد، في حين اشتغل الإعلام المناصر لـ"داعش" على تضخيم هذا الأمر، وأدخل بعض العشائر زوراً على أنها بايعت التنظيم وأصبحت تدين بالولاء له، ومن أبرزها البريج، والعفادلة، والبوسرايا".
من جهته، ينفي الناشط إبراهيم عبد القادر، أن تكون هذه العشائر قد بايعت "داعش". ويوضح أنّ "مَن بايع هذا التنظيم هم شيوخ العشائر فقط، بينما هناك انقسام حاد بين هؤلاء وبين أبناء عشائرهم".
ويضيف أن "داعش عمل على تغيير بعض شيوخ العشائر، الذين لم يوافقوا على الفكر الذي يحمله".
واعتبر أن مَن بايع التنظيم "من شيوخ العشائر هم أنفسهم مَن بايعوا النظام عندما كان يسيطر على الرقة، وفي الوقت الذي كان ينفّذ فيه عمليات إبادة منظمة بحق أبناء محافظات أخرى".
معتقلون ومغيّبون
تقدّر مصادر، أعداد المعتقلين لدى "داعش"، من أبناء المدينة، بما يقارب ألفي معتقل. ووصل عدد حالات الإعدامات الميدانية، التي نفذها التنظيم، إلى نحو مئة حالة، وأغلب التهم الموجهة لمَن نفّذ به حكم الإعدام الانتساب لـ"الجيش الحر".
أما على صعيد المفقودين والمغيّبين، فلا يزال الأب باولو، رجل الدين ذي الأصول الإيطالية، والمناصر للثورة السورية، مجهول المصير، وذلك منذ نحو عام، حين قدم للمدينة، وشارك في العديد من التظاهرات التي طالبت "داعش" بإطلاق سراح المعتقلين، ما أدى لاعتقاله من قبل التنظيم.
"الحسبة والخنساء"
يتسلّط جهاز "الحسبة" أو المحاسبة، التابع لـ"داعش"، على الأهالي، ويقوم باعتقالات عشوائية، ومداهمات، ويعتبر مصدر الخوف الأول لديهم. ويقوم الجهاز بتسيير دوريات لمراقبة الناس، والتأكد من عدم مخالفتهم لأي قانون من القوانين التي وضعها "داعش"، والتي تشمل اللباس الشرعي للنساء، ومنع التدخين والنرجيلة، وكذلك منع النساء من السير في شوارع الرقة من دون "محرم"، وإجبار أصحاب المحال التجارية على إغلاق محالهم والتوجه للصلاة في أوقاتها.
وفضلاً عن جهاز "الحسبة"، يتحدث أحد النشطاء في المدينة، والمكنى بأبي خليل، عن قيام "داعش" بتشكيل "كتيبة الخنساء"، التي تقتصر عضويتها على النساء فقط، ومهمتها الوحيدة تفتيش النساء، ومراقبتهن في حال قامت إحداهن بالتبرُّج. ويذكر أبو خليل أن هذه الكتيبة قامت بالتفتيش في مدارس الإناث، وقامت بجلد بعض الطالبات بسبب "خرقهن القوانين". وأشار أبو خليل، إلى أن معظم أعضاء هذه الكتيبة من جنسيات غير سورية، وزوجات للمهاجرين من عناصر "داعش".
اقتصاد يتداعى
تعتمد الرقة في اقتصادها على الزراعة والنفط. ويقوم الأهالي بريّ مزروعاتهم من نهر الفرات، ومن البحيرة التي تشكلت خلف السد. وعانت هذه المدينة، كما باقي المحافظات، من موسم جاف. وما زاد الطين بلة، هو الانخفاض الحاد في منسوب نهر الفرات والبحيرة، الأمر الذي اضطر بعض الفلاحين للإحجام عن الزراعة هذا الموسم. وأورد ناشطون صوراً لحقول تحترق، قالوا إن "داعش" قام بحرقها عمداً عقاباً لأصحابها الذين ينتمون لكتائب "الجيش الحر".
وتقول مصادر في المدينة، لـ"العربي الجديد"، إن "داعش" ألغى بسطات الباعة الجوالين في شوارع المدينة، بينما لا يزال الموظفون العاملون لدى مؤسسات النظام على رأس عملهم، وأنهم يذهبون لمحافظة دير الزور المجاورة لتقاضي رواتبهم، إذ يقوم النظام بتحويلها إلى هناك.
من جهته، يتحدث همام الرقاوي، وهو اسم مستعار لباحث رفض الإفصاح عن اسمه الحقيقي، عن "منع داعش لأي عمل يخالف ما يعتقد أنه أحكام الشريعة الإسلامية، ولا يتطابق مع فكره"، مؤكداً أن التنظيم يمنع بيع الدخان، ويقوم "بجباية الزكاة من الأغنياء ليتم توزيعها على فقراء المدينة".
الجدير بالذكر، أن "داعش" يسيطر بشكل كامل على حقول النفط في المنطقة، التي تقع تحت سلطة أمرائه. واستطاع التنظيم أن يستقدم "حراقات" للفيول لبيع مشتقات النفط للأهالي ولمحطات الوقود، فضلاً عن قيامه ببيع النفط إلى النظام بملايين الدولارات، بينما يعيش أبناء المدينة في عوز وفقر شديدين، بحسب ما يقول أحد أبناء المدينة.