وسط الإهمال الذي تعانيه تجمعات سكانية كثيرة في الجزائر، جعل الفنان قادة بن شميسة وأولاده من حيّهم متحفاً للنظافة والجمال. هي تجربة تُعدّ نموذجاً في البلاد
بات الحصول على شقة في إطار سياسة الإسكان التي تتبنّاها الحكومة الجزائرية، حلماً لكثيرين. لكنّهم ما إن يحقّقوا حلمهم، حتى يتخلوا عن محيط العمارة والحيّ أو "الحومة" معتمدين على البلدية في تنظيفه وتشجيره وما إليهما، الأمر الذي يؤدّي إلى تشويه المحيط.
أمام عدم التزام بعض السكان بدفع اشتراكاتهم المخصصة للتنظيف والحراسة وتجديد المصابيح، سرعان ما تفقد لجان الأحياء المؤلفة من السكان حماستها، فيبقى الحيّ خاضعاً للتسيير العشوائي. فارس س. كان رئيس لجنة في أحد أحياء مدينة بودواو (شمال)، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه اضطر إلى التراجع بعد سنتين، نتيجة ما سمّاها "الأنانية الضيّقة" التي جعلت "البعض يكتفي بالاعتناء بشقته وينسى أنّها شطر من محيط عام يقتضي كذلك عناية يومية". ويؤكد فارس على أنّ "روح المبادرة الجماعية باتت غائبة داخل المجتمع المدني الجزائري، بالتالي على المنظومات المختلفة أن تعمل على إعادته حتى يصبح للفضاء العام معنى". يضيف: "استثمرنا كثيراً في الجدران ونسينا الاستثمار في الإنسان، فبات ما نبنيه عرضة للإهمال". ويتابع أنّ "الجميع في الجزائر يشكو، والجميع يفعل ما يشكو منه. وهذا يعني أنّ ثمّة استعداداً جماعياً للانخراط في مبادرة حضارية ما. الأمر يحتاج فقط إلى عقل مدبر".
يشعر الداخل إلى "حيّ 612 مسكناً ـ بشير بوجرة"، في محافظة سيدي بلعباس (غرب)، بأنّه في طريقه إلى حديقة أو إلى متحف لا إلى فضاء سكني، والسبب هو تلك الأناقة في كل الجنبات. أشجار وورود ومزهريات وجداريات ورسوم طفولية ومنحوتات وتصاميم رُتّبت بذوق واضح في الزوايا المختلفة. موقف السيارات وسلالم العمارة وقبوها وسطحها حظيت كذلك بلمسات جمالية خاصة، تجعلك تنسى أنّها أماكن هامشية. عرّاب هذه اللمسات هو الفنان المسرحي قادة بن شميسة ومعه أولاده، منهم الممثل حسين.
اقــرأ أيضاً
بات الحصول على شقة في إطار سياسة الإسكان التي تتبنّاها الحكومة الجزائرية، حلماً لكثيرين. لكنّهم ما إن يحقّقوا حلمهم، حتى يتخلوا عن محيط العمارة والحيّ أو "الحومة" معتمدين على البلدية في تنظيفه وتشجيره وما إليهما، الأمر الذي يؤدّي إلى تشويه المحيط.
أمام عدم التزام بعض السكان بدفع اشتراكاتهم المخصصة للتنظيف والحراسة وتجديد المصابيح، سرعان ما تفقد لجان الأحياء المؤلفة من السكان حماستها، فيبقى الحيّ خاضعاً للتسيير العشوائي. فارس س. كان رئيس لجنة في أحد أحياء مدينة بودواو (شمال)، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه اضطر إلى التراجع بعد سنتين، نتيجة ما سمّاها "الأنانية الضيّقة" التي جعلت "البعض يكتفي بالاعتناء بشقته وينسى أنّها شطر من محيط عام يقتضي كذلك عناية يومية". ويؤكد فارس على أنّ "روح المبادرة الجماعية باتت غائبة داخل المجتمع المدني الجزائري، بالتالي على المنظومات المختلفة أن تعمل على إعادته حتى يصبح للفضاء العام معنى". يضيف: "استثمرنا كثيراً في الجدران ونسينا الاستثمار في الإنسان، فبات ما نبنيه عرضة للإهمال". ويتابع أنّ "الجميع في الجزائر يشكو، والجميع يفعل ما يشكو منه. وهذا يعني أنّ ثمّة استعداداً جماعياً للانخراط في مبادرة حضارية ما. الأمر يحتاج فقط إلى عقل مدبر".
يشعر الداخل إلى "حيّ 612 مسكناً ـ بشير بوجرة"، في محافظة سيدي بلعباس (غرب)، بأنّه في طريقه إلى حديقة أو إلى متحف لا إلى فضاء سكني، والسبب هو تلك الأناقة في كل الجنبات. أشجار وورود ومزهريات وجداريات ورسوم طفولية ومنحوتات وتصاميم رُتّبت بذوق واضح في الزوايا المختلفة. موقف السيارات وسلالم العمارة وقبوها وسطحها حظيت كذلك بلمسات جمالية خاصة، تجعلك تنسى أنّها أماكن هامشية. عرّاب هذه اللمسات هو الفنان المسرحي قادة بن شميسة ومعه أولاده، منهم الممثل حسين.
في عام 1999، انطلقت المبادرة. ويخبر حسين أنّ "نشاطنا المسرحي كان غزيراً، ولم نكن نملك فضاءً نتدرّب فيه. كانت البلاد خارجة للتوّ من العنف والإرهاب". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "أحداً لم يكن يلتفت بحقّ إلى النشاط المسرحي. ففكرنا في استغلال قبو العمارة في هذا الباب". كان القبو مظلماً، تتراكم فيه الأوساخ وقد تحوّل مجمّعاً للجرذان وللمياه المتسرّبة على مدى سنوات، "لكنّ الإرادة والحماسة العميقتَين جعلتانا نحوّله إلى جنّة صغيرة تحت الأرض".
الخطوة الأولى كانت جمع تواقيع السكان للإقرار بقبول المشروع، فيسهل بالتالي الحصول على ترخيص من البلدية. وهذا ما كان، "بعدما أقنعنا الوالد بجدواه. والقبو الذي كان مرتعاً للجرذان والبعوض والذي كان يغرق في المياه الآسنة، تحوّل إلى فضاء مسرحي ذي امتدادات وطنية". ويوضح حسين أنّه يضمّ "عشرات الدمى من عروضنا المختلفة، أو من عروض آخرين. هكذا، بات لدينا متحف وحيد من نوعه يقصده مسرحيون وطلاب وباحثون في الدمى وخيال الظل من الداخل والخارج".
في عام 2003، انتهى العمل بالقبو، فكان لا بدّ من التوجه إلى الفضاء الخارجي. يقول حسين: "ورّطنا السكان وقد طلبنا من كل واحد غرس شجرة خاصة به. هكذا بدأت الحرب على بشاعة الإسمنت والزفت والحديد والغبار، وراح السكان يميلون إلى محيط العمارة أكثر من ميلهم إلى شققهم". يضيف حسين الذي يُعدّ من أبرز الممثلين المسرحيين الشباب في البلاد، أنّ "الجزائري تعوّد على هدر وقته في مجالس النميمة الفارغة في المقاهي وعند مداخل العمارات. لماذا لا ينفقه في رعاية محيطه حيث يقيم؟ لماذا ينبهر بأحياء الغربيين وحدائقهم ومساحاتهم العامة، بينما يهمل الأحياء والحدائق والمساحات التي يملكها، علماً أنها لا تقلّ اتساعاً وجمالاً باعتراف الغربيين أنفسهم؟".
من جهته، يستغرب قادة بن شميسة "كيف يشعل فنان مواقع التواصل الاجتماعي بمعارضة الحكومة، بينما لا يبذل جهداً لإحداث تغيير على مستوى عمارته". ويقول: "لن يكون الفنان ضمير الناس، إلا إذا كان مبادراً في زرع القيم الجميلة والنبيلة بينهم". ويسأل: "أين موقع الفنان الجزائري في حملات التبرع بالدم وتنظيف المقابر والحدائق وحماية البيئة؟ لا يصح أن نطالب الحكومة بأن تضعنا في مقدمة شرائح المجتمع، بينما نحن آخر شريحة تعمل للصالح العام". بالنسبة إليه، فإن "لا شيء ينافس متعتي على خشبة التمثيل، إلا متعة العناية بحديقة الحيّ".
اقــرأ أيضاً
الخطوة الأولى كانت جمع تواقيع السكان للإقرار بقبول المشروع، فيسهل بالتالي الحصول على ترخيص من البلدية. وهذا ما كان، "بعدما أقنعنا الوالد بجدواه. والقبو الذي كان مرتعاً للجرذان والبعوض والذي كان يغرق في المياه الآسنة، تحوّل إلى فضاء مسرحي ذي امتدادات وطنية". ويوضح حسين أنّه يضمّ "عشرات الدمى من عروضنا المختلفة، أو من عروض آخرين. هكذا، بات لدينا متحف وحيد من نوعه يقصده مسرحيون وطلاب وباحثون في الدمى وخيال الظل من الداخل والخارج".
في عام 2003، انتهى العمل بالقبو، فكان لا بدّ من التوجه إلى الفضاء الخارجي. يقول حسين: "ورّطنا السكان وقد طلبنا من كل واحد غرس شجرة خاصة به. هكذا بدأت الحرب على بشاعة الإسمنت والزفت والحديد والغبار، وراح السكان يميلون إلى محيط العمارة أكثر من ميلهم إلى شققهم". يضيف حسين الذي يُعدّ من أبرز الممثلين المسرحيين الشباب في البلاد، أنّ "الجزائري تعوّد على هدر وقته في مجالس النميمة الفارغة في المقاهي وعند مداخل العمارات. لماذا لا ينفقه في رعاية محيطه حيث يقيم؟ لماذا ينبهر بأحياء الغربيين وحدائقهم ومساحاتهم العامة، بينما يهمل الأحياء والحدائق والمساحات التي يملكها، علماً أنها لا تقلّ اتساعاً وجمالاً باعتراف الغربيين أنفسهم؟".
من جهته، يستغرب قادة بن شميسة "كيف يشعل فنان مواقع التواصل الاجتماعي بمعارضة الحكومة، بينما لا يبذل جهداً لإحداث تغيير على مستوى عمارته". ويقول: "لن يكون الفنان ضمير الناس، إلا إذا كان مبادراً في زرع القيم الجميلة والنبيلة بينهم". ويسأل: "أين موقع الفنان الجزائري في حملات التبرع بالدم وتنظيف المقابر والحدائق وحماية البيئة؟ لا يصح أن نطالب الحكومة بأن تضعنا في مقدمة شرائح المجتمع، بينما نحن آخر شريحة تعمل للصالح العام". بالنسبة إليه، فإن "لا شيء ينافس متعتي على خشبة التمثيل، إلا متعة العناية بحديقة الحيّ".