كانت كلمات رئيس المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان، محمد فائق، دبلوماسية حينما تحدث عن دور الدولة ومؤسساتها، وحادة حينما تحدث عن بقية فئات المجتمع المصري، مناقضاً التقارير المحلية والدولية التي تتحدث عن انتهاكات واسعة من جانب النظام لمواثيق وأعراف حقوق الإنسان الدولية.
وظهر فائق، اليوم الأحد، في مؤتمر صحافي عقده المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري، لإعلان حالة حقوق الإنسان في مصر، في الفترة ما بين الثالث من يوليو/ تموز 2013 وحتى 31 ديسمبر/ كانون الأول 2014.
وقال خلال المؤتمر، إنَّه من الضروري إعلان نتائج التحقيقات التي تمت من جانب "الانتهاكات" التي يعتقد أنَّها ارتكبت من جانب أفراد الشرطة، موضحاً أنَّ التوسع فى الحبس الاحتياطي ثم إثبات براءة المتهم لا يجوز لمدة طويلة، بداعي أنَّ المتهم يقضي حينها عقوبة على جرم لم يرتكبه، وطالب بوضع حد أقصى معقول للحبس الاحتياطي، بالإضافة إلى إخلاء سبيل الحالات الإنسانية والصحية والطلاب الذين لم يثبت بحقهم ارتكاب جرائم.
وسعى التقرير الذي أصدره المجلس، بعد عرضه على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء إبراهيم محلب ووزير الداخلية مجدي عبد الغفار، لتجميل صورة النظام القبيحة والتي انتقدتها منظمات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية.
وحينما تحدث التقرير عن الانتهاكات الخاصة بـ"الحق في الحياة"، قال: وردت إلينا شكوى واحدة تتعلق بانتهاك الحق في الحياة، نتيجة الاشتباه بالتعرض للتعذيب في مراكز الاحتجاز، وتابع: "توفي العشرات من المتواجدين رهن التحقيق في مراكز الاحتجاز والسجون، وأعلنت وزارة الداخلية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 أنَّ عدد الضحايا الذين توفوا داخل مراكز الاحتجاز 36 حالة".
فيما تشير أرقام منظمات حقوقية مستقلة إلى سقوط ما بين 80 إلى 98 حالة، وأنَّ معظم الحالات المتوفاة مرتبطة بسوء الظروف المعيشية والصحية داخل أماكن الاحتجاز والتكدس الحاد، خاصة بأقسام الشرطة.
ورصد التقرير غياب الرعاية الصحية داخل المستشفيات التابعة للسجون، وتعرّض العديد من السجناء إلى اعتداء لفظي وجسدي من أفراد الشرطة، فضلاً عن العديد من الانتهاكات التي يتعرضون لها بما يمس حقوقهم.
وكان فائق التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الحكومة إبراهيم محلب، ووزير الداخلية مجدي عبدالغفار، خلال الأسبوع الفائت، وسلّم كلاً منهم نسخة من التقرير.
الضحايا إرهابيون
وتجاهل المجلس القومي لحقوق الإنسان في تقريره الاعتداءات الأمنية التي أسفرت عن مقتل المئات من المعارضين السياسيين في فض اعتصامات رابعة والنهضة والحرس الجمهوري، ورمسيس الأولى والثانية، وغيرهم.
وركز على توجيه الاتهامات لجماعة الإخوان المسلمين بأنها قامت بنشر العنف المسلح والإرهاب في ربوع مصر، وضد قوات الجيش والشرطة، وأنها حولت الصراع السياسي إلى صراع ضد الدولة المصرية والشعب المصري، ما أثر في استقرار الوطن، وأهدر حقوق الإنسان، وفق التقرير.
اقرأ أيضاً: ألمانيا تستعد لفتح ملف حقوق الإنسان أثناء زيارة السيسي
وكشف المجلس في تقريره، عن تلقيه شكاوى عدة من بهائيين لا يستطيعون الحصول على أوراق إثبات هوية لهم أو لأبنائهم، مشيراً إلى أنه جرت إحالة تلك الشكاوى إلى لجنة المواطنة بالمجلس، التي تتواصل بشكل مباشر مع الجهات المعنية بالدولة.
ورغم الانتهاكات المتصاعدة لحقوق الإنسان في مصر اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، أكد التقرير "حدوث تحسّن نوعي في أوضاع حقوق الإنسان بمصر خلال عام 2014، وارتفاع مستوى الحريات العامة في الرأي والتعبير، رغم القيود الموجودة في قانون التظاهر السلمي"، متجاهلاً الاعتقالات والمطاردات للمعارضين.
وتناول التقرير "مسؤولية الإرهاب عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين ورجال القوات المسلحة والشرطة".
وفي اعتراف ضمني بالتعذيب في السجون، طالب المجلس باتخاذ تدابير وقائية ضد التعذيب في السجون ومقار الاحتجاز، والإفراج الفوري عمّن لا يثبت تورطه في جريمة يعاقب عليها القانون.
وطالب بالإسراع بإصدار التشريعات المكمّلة للدستور فور انتخاب مجلس النواب، مشيراً إلى قانون بناء وترميم الكنائس، والتعديلات المتعلقة بجريمة التعذيب، وتعديل قانون تنظيم التظاهر الصادر في نوفمبر 2013.
قصور في الخدمات
وفي موازنة نقدية، ارتفعت وتيرة النقد لأداء الوزارات الخدمية، في إطار المسموح به، ليبدو التوازن والموضوعية في مناقشة الانتهاكات الحياتية العامة بعيداً عن السياسية. ورصد التقرير ارتفاع نسبة الأمية في جميع المحافظات بسبب زيادة ظاهرة التسرّب من التعليم، خاصة بالنسبة للبنات.
وفي الصحة، تراجعت الخدمات الصحية مع وجود بعض المنشآت الطبية التي تفتقد الكادر البشري أو المعدات الطبية أو كليهما.
اقرأ أيضاً:#الحياة_حق.. حملة لرفض إعدام المصريين
كما أكد التقرير تفاقم أزمة الصرف الصحي، بسبب غياب الشبكة في معظم مناطق الجمهورية أو بسبب مشكلات الصيانة.
كما أوضح تزايد مشكلة رغيف الخبز التي يعاني منها المواطن بشكل يومي، إذ إن توزيع الخبز على المواطنين يتم من خلال حصة لكل أسرة، وهذه الحصص لا تشمل كل المواطنين.
كما استعرض أوجه المعاناة في كثير من المحافظات من انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر ولساعات طويلة، وفشل خطة المحافظات في معالجة مشكلة الإسكان، وتضرر العديد من المواطنين من مشكلات تتعلّق بالمياه.
مجلس التجميل
ويشكك مراقبون في تشكيل المجلس مؤكدين أنه مخالف للقانون، لأنه وفقاً لقانون إنشائه في عام 2003، يتبع مجلس الشورى، الذي ألغاه السيسي في 3 يوليو/ تموز 2013، كما أن تشكيله الجديد يضم غالبية من الكارهين لجماعة الإخوان المسلمين.
وكشف المجلس أنه أرسل 3586 خطاباً موجهاً إلى 90 جهة ما بين وزارات ومحافظات، وجهات أخرى مستقلة أو خاصة، خلال فترة عام ونصف العام، ولم يتم الرد سوى على 1077 خطاباً.
وفي ما يخص الجهات التي تعتبر نسب ردودها ضئيلة أو منعدمة، لم تتجاوب جهات مثل النيابة العامة ومحكمة النقض ووزارات التموين والبيئة والتنمية المحلية ومحافظتي الغربية والقاهرة للمخاطبات التي أرسلت إليها، في تجاهل ملحوظ لشكاوى المواطنين.
في حين ردت رئاسة الجمهورية مرة واحدة على مجموع 15 خطاباً أرسلت إليها من المجلس، كما أن محافظات أسيوط والمنوفية وكفر الشيخ والأقصر تجاهلت المخاطبات.
وعلّق عضو لجنة الدفاع عن معتقلي القاهرة، المحامي عماد علي، قائلاً: "لا نثق نهائياً في جدية أية تقارير تصدر من جهات حكومية، حيث يسعى النظام المصري لتجميل صورته، قبل زيارة مرتقبة للسيسي إلى ألمانيا، ولمواجهة سيل التقارير الحقوقية الغربية المنتقدة لسجل مصر الحقوقي".
وأضاف أن محاولات التجميل تجري "وسط مساعٍ متسارعة من قبل وزارة الداخلية لترجمة اعترافات بعض المعتقلين السياسيين للغات العالم، للمساهمة بتشويه صورة المعارضة، دون الالتفات إلى جدية تلك الاعترافات أو سبل الحصول عليها بالتعذيب أو الضغوط المختلفة، والتي تتم تحت سمع النيابة العامة، التي باتت تعمل وفق تعليمات وزارة الداخلية، مستعينة بمحامين غير أساسيين للمتهمين ومنع المحامين الأساسيين من حضور جلسات العرض على النيابة للمعتقلين".