"حزب الله" قد لا يسمح بولادة حكومة بلا "ضمانات"

10 نوفمبر 2018
يقيم الحريري في باريس رافضاً شروط "حزب الله"(حسين بيضون)
+ الخط -


يقضي رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري أيامه في باريس، بعد أن أنجز مهمته، وشكّل حكومة تنقصها أسماء وزراء "حزب الله"، الذي يرفض تسليمهم، بسبب عدم تمثيل النواب السنّة المحسوبين عليه. والإقامة في العاصمة الفرنسية بحد ذاتها رسالة من الحريري إلى الحزب، برفض مطلبه، لكنها بالتأكيد ليست اعتكافاً.
لعلها من المرات النادرة التي يخوض فيها "حزب الله" في لبنان معركة خاسرة. كل العوامل الداخلية والإقليمية والدولية بدت في الأيام الأخيرة تصبّ ضده، خصوصاً بعد أن باتت ثمة قناعة لبنانية عامة بأن من يؤخر تأليف الحكومة هو "حزب الله"، بغض النظر عن الأسباب الظاهرة، ومنها مثلاً تمثيل النواب السنّة المحسوبين عليه، وما خفي مثل العقوبات الأميركية ضد إيران والحزب، وبحث الأخير عن ضمانات.

على الساحة الداخلية، بدا واضحاً أن الحزب يخوض معركته وحيداً، خصوصاً بعد موقف "التيار الوطني الحر"، ورئيس الجمهورية ميشال عون، المتماهي مع موقف الحريري، والرافض توزيرَ النواب السنّة المحسوبين على "حزب الله"، وعدم اعتبارهم كتلة نيابية، خصوصاً أن بعضهم ينتمي إلى كتلة ممثلة في الحكومة. حتى الحلفاء، مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي بدا موقفه براغماتياً وهو يكرر معزوفة الخطر، وضرورة تأليف الحكومة سريعاً.

نجح الحريري عملياً ضمن البيئة السنّية في إظهار عقدة "حزب الله" المستجدة، بوصفها استهدافاً له، ومحاولة لتطويقه ولعرقلة مساعيه لأهداف تتخطى الحدود اللبنانية، وهو ما تجلّى في الدعم الذي تلقّاه ضمن هذه البيئة، وخصوصاً من دار الفتوى، التي زارها النواب السنّة التابعون لقوى 8 آذار قبل يومين، والتقوا المفتي عبداللطيف دريان، فجاء موقفه متماهياً مع موقف الحريري، رافعاً الغطاء عنهم، ومبقياً العقدة في ملعب "حزب الله" الذي يحاول أن يصورها على أنها عقدة سنّية، وأنه يدافع عن ضرورة تمثيل الجميع.

عملياً، يشكل النواب السنّة (الستة) خارج تيار "المستقبل" حيثيات واضحة في مناطقهم، خصوصاً أسامة سعد في صيدا، وفيصل كرامي في طرابلس، وجهاد الصمد في الضنية، وعبدالرحيم مراد في البقاع الغربي، وعدنان الطرابلسي في بيروت، باستثناء قاسم هاشم في حاصبيا، والوليد سكرية في بعلبك. لكن الأزمة، وفق ما تقول مصادر تيار "المستقبل"، ليست في تمثيلهم، خصوصاً أن "حزب الله" كان أبلغ من يعنيه الأمر في وقت سابق قبل أشهر عدم تمسكه بهذا المطلب، وبالتالي استحضار الأزمة اليوم لا شك في أنه متعلق أساساً بمعركة "حزب الله" الدولية مع الولايات المتحدة.


وكان "حزب الله" يعوّل على استمرار العِقد الأخرى لتأخير ولادة الحكومة، ولم يكن يرغب في الدخول على الخط وأن يظهر بمظهر المعرقل، لكن تذليل العقبات، الذي جاء بعد الضغط الفرنسي الأخير، وصولاً إلى إعلان "القوات اللبنانية" موافقتها على ما طُرح عليها، دفع الحزب مجبراً إلى لعب ورقة النواب السنّة.
ولم يكن "حزب الله" يتوقع أيضاً، وهي مفارقة أخرى في السياسة اللبنانية الداخلية، أن تنتهي معركته سريعاً لصالح الحريري، خصوصاً أن الحزب خسر المعركة على مستوى الرأي العام، وتحديداً بعد دخول عون على الخط، وبعد موقف البطريركية المارونية، واستنفار تيار "المستقبل" عدة المواجهة، من دار الفتوى، إلى القيادات السنّية، وصولاً إلى الشارع عبر لوحات انتشرت في شوارع العاصمة بيروت ومناطق أخرى تؤكد التمسك بالحريري في رئاسة الحكومة.

وتؤكد مصادر مطلعة على مسار تأليف الحكومة أن الملف دخل البازار الدولي، خصوصاً أن الحزب لن يفرج عن الحكومة قبل اتضاح صورة المعركة الدولية مع الولايات المتحدة، وبالتالي يحاول إبقاء الورقة اللبنانية حاضرة على طاولة المفاوضات، بانتظار تحرك دولي ما، وعندها يكون قادراً على المساومة، ومحاولة تحصيل مكاسب، أو ضمانات دولية. كما أنه سيحاول داخلياً عبر افتعال هذه الأزمة الحصول على ضمانات داخلية، بما أن لبنان سيُعتبر ملاذاً أساسياً لإيران في المرحلة المقبلة اقتصادياً، وهو يخشى أي تجاوب لبناني مع الحصار الأميركي والتدابير والإجراءات المتخذة في الآونة الأخيرة، في مرحلة تذكّر بالعقوبات المصرفية، والتي شهدت استهداف الفرع الرئيسي لبنك لبنان والمهجر.

من جهتها، تؤكد مصادر "المستقبل" أن الحريري ليس معتكفاً في باريس، وأنه لن يعلن اعتذاره عن تأليف الحكومة بأي شكل من الأشكال، خصوصاً بعد أن أصبح في موقع القوة، وباتت الكرة في ملعب "حزب الله" داخلياً وخارجياً، وبالتالي فإن اعتذار الحريري سيُعتبر هدية مجانية للحزب الذي سيسعى إلى تسمية رئيس حكومة آخر، يعطيه الضمانات المطلوبة، إضافة إلى قدرة أكبر للحركة في الداخل اللبناني، عبر الحكومة.

ويؤكد أكثر من مصدر مطلع أن "حزب الله" بات فعلياً في مأزق، على الرغم من أنه لن يتراجع عن مطلبه، بما أن الظروف لم تنضج بعد لإبصار الحكومة النور، وعليه لن يخرج خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، المقرر اليوم السبت، عن ثوابته لجهة تأكيد تمثيل سنّة 8 آذار، ورفض رمي الكرة في ملعبه، خصوصاً أنه سبقه موقف متشدد لنائبه الشيخ نعيم قاسم، قال فيه إن "الكرة في ملعب رئيس الحكومة"، محدداً له معايير تأليف الحكومة، وضرورة تناسبها مع نتائج الانتخابات النيابية.