"حرب" أولويات بين أنقرة وواشنطن

08 أكتوبر 2014

جوزف بايدن ورجب طيب أردوغان في واشنطن (16مايو/2013/Getty)

+ الخط -

على الرغم من متانة العلاقات الأميركية التركية تاريخياً، إلا أن ذلك لم يمنع ظهور تضارب واختلاف أولويات في محطات عديدة، وإزاء عدة قضايا حساسة، لعل القضية القبرصية عام 1974 كانت أبرزها. لكن، ما سبق لم يقلل من أهمية الموقع الجيوسياسي لتركيا في الاستراتيجية الأميركية، فالعلاقات بين الجانبين اتسمت بالتحسن المتنامي، خصوصاً منذ إعلان واشنطن مبدأ ترومان 1947، وقد تأكد هذا الأمر جلياً عند انهيار الاتحاد السوفييتي، إذ لم يؤثر هذا الانهيار على أهمية موقع تركيا حليفاً حيوياً للولايات المتحدة في منطقة جيوسياسية حيوية، تشكل بوابة لإمدادات النفط والغاز.

ما يحصل، اليوم، من شد وجذب، بين أنقرة وواشنطن، بخصوص الحرب ضد تنظيم داعش، يعكس واحدة من القضايا الخلافية التي تجسد التناقض في الأولويات بين الجانبين، وهو تناقض يتجاوز الحرب ضد داعش، إلى كيفية ترتيب مستقبل المنطقة، في ظل التطورات الدراماتيكية التي تشهدها منذ بدء ثورات الربيع العربي. فتركيا تقول إنها لن تدعم سياسة أميركية، تؤدي إلى القضاء على داعش، من دون استهداف النظام السوري، وتحد من مخاوفها اتجاه الصعود الكردي، فيما تقول واشنطن، بطريقتها الخاصة، إن كل شيء ينبغي أن يكون وفقاً للحسابات الأميركية، وبالتوقيت الأميركي، فتسارع أنقرة إلى طرح ما يشبه استراتيجية خاصة شاملة في الحرب ضد داعش والنظام السوري وحزب العمال الكردستاني وحليفه السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، معاً.

ترى الحكومة التركية التي لبلادها حدود مع سورية والعراق، بطول أكثر من ألف كيلومتر، أن الحرب الجوية وحدها ضد داعش لن تؤدي إلى النتائج المرجوة، وأن تركيا لن تكون، في المستقبل، في منأى عن خطر داعش الذي تقول تقارير إنه نجح في إقامة خلايا نائمة داخل مدن تركية، بعد أن أصبحت الحدود بين دول المنطقة مخترقة، ولم تعد لها قيمة عملية على أرض الواقع، وعليه، تستغرب أنقرة إصرار الإدارة الأميركية على رفض الحرب البرية ضد التنظيم.

لكن، هذا الإدراك لم يمنع أنقرة من التصرف، وكأن الحرب البرية قادمة لا محالة. وعليه، نشرت آلاف الجنود على الحدود التركية مع كل من سورية والعراق، وفوض برلمانها الجيش القيام بعمليات عسكرية في البلدين، كما تسعى إلى إقامة منطقة عازلة في المناطق الحدودية مع سورية والعراق، وتتحرك لاستدعاء حلف شمال الأطلسي، واستصدار قرار دولي لجعل هذه المنطقة حقيقة على أرض الواقع، على غرار ما حصل في شمال العراق عام 1991، عندما أقرت الولايات المتحدة إقامة منطقة حظر جوي فوق شمال العراق، من دون موافقة الأمم المتحدة، وعلى الرغم من الاعتراض الروسي.

تحرك تركيا على هذا النحو، كلاعب إقليمي، يتطلع إلى الدور، ويمتلك أدوات الحرب الناعمة، يقابله شيء من الصمت الأميركي الغامض، على شكل تمعن في الحسابات وجدل في الخيارات، فواشنطن لا تقول لا صريحة للتحرك التركي، كما أنها، في الوقت نفسه، لا تقول نعم صريحة، وهذا ما تعكسه المحادثات السرية والعلنية بين مسؤولي البلدين، في الأيام والأسابيع الأخيرة. ولعل حالة الشد والجذب التي تجسدت في تصريحات نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، قبل أن يعتذر عنها، جسدت "حرباً" في الأولويات بين الجانبين، مع أن اعتذاره لا يقلل من عدم الرضى الأميركي عن الممانعة التركية في الانخراط في الحرب ضد داعش، وفقا للرؤية الأميركية.

بات واضحا أن تركيا تريد من مشاركتها في التحالف الدولي ضد داعش تحقيق ثلاثة أهداف أساسية: إسقاط النظام السوري، دحر داعش، والقضاء على تطلعات حزب العمال الكردستاني. أما واشنطن التي تتفق مع أنقرة على أولوية دحر داعش، فلا تتبنى استراتيجية واضحة لإسقاط النظام السوري، وإنما تتحدث عن تسوية سياسة من دون خطة واضحة، أو آلية محددة، وهي، هنا، تأخذ عامل إسرائيل على الحدود السورية في الاعتبار، وتتحسب للعاملين، الإيراني والروسي. وبشأن حزب العمال الكردستاني، لا ترى ضرورة للتعامل معه عسكرياً، خصوصاً بعد انخراطه بقوة في الحرب ضد داعش في العراق وسورية، وإعلان زعيمه، عبد الله أوجلان، المضي في العملية السلمية مع أنقرة حتى النهاية.

أنقرة، وفي مواجهة عدم الوضوح الأميركي، ترى أن ثمة أوراقاً يمكن لها أن تقنع واشنطن وحلف شمال الأطلسي باستراتيجيتها، فهي ترى أن الإدارة الأميركية لم تدخل في حرب مع روسيا من أجل أوكرانيا، وبالتالي، لن تدخل روسيا في حربٍ من أجل سورية. وبالتالي، ثمة إمكانية لصفقة ما تتيح لواشنطن التحرك تجاه النظام السوري، كما أن إيران، وعلى الرغم من علاقاتها المتينة مع النظام السوري، لن تدخل في حرب محتملة، إذا رأت أن واشنطن جادة في خيار إسقاط النظام، وهي، في ذلك كله، تراهن على أن مسار الأحداث سيخدم استراتيجيتها، ما دامت الحرب الجوية، وحدها، لن تدحر داعش، إذ على الرغم من كل الهجمات التي نفذها التحالف حتى الآن ضده، فإن التنظيم يواصل معاركه وعملياته من عين العرب "كوباني"، شمالي سورية، إلى مشارف بغداد جنوباً.

واشنطن، وأمام شكوكها من النتائج المنشودة لحربها ضد داعش، تدرك أهمية الموقع الحيوي لتركيا في هذه الحرب، وتدرك أهمية التعامل مع أردوغان، كونه يمسك وحزبه، حزب العدالة والتنمية، بكل مفاصل الدولة التركية. ويبدو أن الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه ينطلق من أهمية ما سبق، لجعل "حرب" الأولويات مع الإدارة الأميركية استراتيجية مستقبلية للحرب بالمعايير التركية.

55B32DF5-2B8C-42C0-ACB3-AA60C835F456
خورشيد دلي

كاتب سوري، عمل في قنوات تلفزيونية، صدر له في 1999 كتاب "تركيا وقضايا السياسة الخارجية"، نشر دراسات ومقالات عديدة في عدة دوريات وصحف ومواقع إلكترونية.