يُختتم اليوم مهرجان "جواهريون" الذي انطلق أمس، الجمعة، في بغداد، بمشاركة قرابة 80 شاعراً وناقداً، من بينها أسماء شابة في الشعر العراقي، حيث حملت الدورة الثانية اسم الشاعر العراقي عبد الأمير جرص.
يميّز هذه التظاهرة القصيرة تركيزها على تقديم تجارب جديدة بعيداً عن الأسماء المكرّسة، وهي الفكرة التي قام عليها إطلاق المهرجان العام الماضي، لصعوبة حضور أو اختراق الأسماء الشابة مهرجان "الجواهري" الذي ينظّمه "الاتحاد العام للأدباء والكتّاب" في العراق.
حمل المهرجان الجديد اسم "الجواهريون" تعبيراً عن امتداد تجربة الشعر العراقي، ولكن بأصوات جديدة حيث لا يشترط أن يكون لديها مجموعة من الإصدارات لكي تشارك، وليس بالضرورة أيضاً أن تنتمي إلى "اتحاد الكتّاب"، منظم المهرجان، كما لو أن هذه التظاهرة قد خُصّصت لتسليط الضوء على تجارب أجيال شابة من شعراء ما بعد الحصار والحرب والاحتلال الأميركي، والتي تعيش جحيم الطائفية اليوم.
ومن اختيار أن تحمل دورة المهرجان الثانية اسم الشاعر عبد الأمير جرص (1965-2003)، وأن تحمل دورة العام الماضي اسم الشاعر حبيب نورس (1963-2003)، يبدو أن هناك هدفاً لـ"الجواهريين" وهو الاحتفاء والتذكير بتجارب شعرية مغايرة لجيل التسعينيات، رحل أصحابها باكراً ولكنهم تركوا أعمالاً خاطفة وفريدة، ومن مفارقات القدر أن يرحل الاثنان بحوادث؛ الأول (جرص) على الدراجة الهوائية والثاني في حادث سير.
يعتبر جرص أحد أبرز شعراء العراق من جيل التسعينيات، بدأ النشر في المجلات الأدبية والصحف العراقية والعربية وصنع شعبية لافتة لم يتمتع بها أي من شعراء جيله، وتضمن شعره موقفاً معارضاً واضحاً لحكم حزب البعث. أصدر مجموعته الأولى "قصائد ضد الريح" عام 1993، ثم "أحزان وطنية" في 1997، وهي السنة نفسها التي غادر فيها العراق إلى عمّان ثم ليبيا ثم عمّان من جديد قبل أن يهاجر إلى كندا، حيث رحل في أدمنتون عام 2003، إثر سقوطه عن دراجته الهوائية، لتبدو حياته كما كتب عنها مرة "إنني أُمارس حياتي على أنها: هواية أو نزوة/ لم أكن قطُّ جاداً/ في عام 1995 دخلتُ الثلاثين/ هكذا/ أَي كما لو أَنني أَدخل حانة".
ورغم تنقّله ورحيله من أرض أخرى غير العراق، كتب جرص مرة: "سأولد في القرن المقبل/ سأولد في بغداد أيضاً/ فأنا سيّء الحظ/ سيكون أبي نفسه وستكون أمي نفسها/ وسيكون أصدقائي أنفسهم/ فأنا سيّء الحظ كما أسلفت".
"العربي الجديد" استطلعت آراء بعض الشعراء الشباب، مشاركين وغير مشاركين في "جواهريون"، حول أثر وتجربة جرص:
اعتبر الشاعر حسن فوزي القرة غولي أن "جرص أحد أهم شعراء التسعينيات الذين عايشوا تلك المرحلة بكل مرارتها ووجعها، نشر مجموعة شعرية على طريقة الاستنساخ بعنوان "قصائد ضد الريح"". ويضيف غولي المشارك في جلسات المهرجان أن "عبد الأمير جرص شاعر خالد فتجربته على قصرها كانت غنيّةً بالشعر العالي. وإطلاق اسمه على هذه الدورة من "جواهريون" أمر موفّق جداً وجميل".
أما الشاعر علي رياض، صاحب مجموعتي "حين استيقظت ميتاً" (2014) و"عالم الغريب" (2016)، فيقول: "أذكر جيداً حين قرأت عبد الأمير جرص للمرة الأولى، كان مدهشاً إلى حد يرفعني عن الأرض".
بدوره يرى الشاعر المشارك يماني عبد الستار أن "جرص شاعر استثنائي له خصوصية وأسلوب مميز، وهو صاحب تجربة غير منتهية الصلاحية ولا زال إلى الآن نهراً يصيبنا بالدهشة والخشوع، هو شعر يستحق أن نذوب في داخله ونخلق عوالم أخرى يحملنا إليها".
الشاعرة نورس الجابري، المشاركة في المهرجان، رأت أن "تجربة الشاعر جرص نافذة مهمة لكل المبدعين المستبعدين. هو شعر حقيقي يقدّم نصوصاً قصيرة مكثفة ولغة غنية"، واعتبرت إن إطلاق دورة المهرجان باسمه تأتي بمثابة دعوة إلى الشعراء الشباب لاستلهام تجربة جرص.