يقضي ملايين المصريين ساعات طويلة من النهار في لهاث دائم وراء سيارات الأجرة الصغيرة "الميكروباص"، التي تتسع بالكاد إلى 12 راكباً بصورة قانونية. لكن السائقين لا يلتزمون بهذه الحمولة، ويحشرون في جوف المركبة أكبر عدد ممكن، وإذا لم تكف الكراسي المتهالكة فليس هناك مانع من أن تتدلى أجسام الراكبين من الباب المفتوح خلال الرحلة المهددة بحوادث من السائقين.
ويعرب محمود عاشور(محاسب) عن خوفه الشديد أثناء توجهه اليومي إلى عمله من الدقي إلى مدينة نصر لتعرضه للبلطجة أو الاشتباك اللفظي مع سائقي الميكروباص في مصر.
الخوف لدى عاشور ازداد خلال الأيام الأخيرة، نظراً لارتفاع أسعار الوقود وما نجم عنه من ارتفاع أجرة المواصلات، الأمر الذي تسبب في حدوث مشادات بين السائقين والمواطنيين في جميع السيارات التي يستقلها إلى عمله، فضلاً عن وصلات من السباب والشتائم من السائقين للمواطنين، وسط غياب لشرطة المرور.
زايد عبدالرحمن، عامل يستخدم في انتقالاته ميكروباصات "امبابة – الجيزة"، يقول: "يعتبر السائقون الميكروباص مملكتهم الخاصة التي يقضون فيها أكبر وقت طوال اليوم؛ ما يجعلهم في اشتباكات لفظية مستمرة مع المواطنين".
ويضيف: "المشكلة أن السائق يضاعف الأجرة وفقاً لمزاجه. منذ شهر كانت الأجرة جنيهاً واحداً، وفجأة أصبحت 3 جنيهات، والسبب دوماً لدى السائق إما أن الطريق مزدحمة أو البنزين غال أو الباشا – ضابط المرور – يصادر رخصة القيادة دوما".
شارع فيصل بالجيزة أكثر شوارع المحافظة شهرة بسيطرة السائقين على نهره، تتوقف حركة السير به ليلاً و نهاراً بفضل سلوكياتهم ومواقفهم العشوائية. يضطر زكي عبد المنعم، أحد سكان الشارع، إلى ركوب 4 عربات ميكروباص في رحلة الذهاب، ومثلها أو أكثر في رحلة العودة إلى العمل، وخصوصاً مع رحلة المعاناة التي يتعرض لها من سائقي الميكروباص كرفع صوت الكاسيت، وعند اعتراضه يجد بلطجياً في مهنة سائق يرد عليه "مش عاجبك انزل".
ويتابع زكي: معظم سائقي الميكروباص لا يلتزمون بتعليمات المرور، فمنهم من يقوم بالمغالاة في الأجرة ومنهم من يقوم بتقطيع المسافة إلى عدة أجزاء، مضيفاً: "الأخطر أن السائقين يقفون في منتصف الشارع بشكل عشوائي مما يؤدي إلى تكدس وتعطيل المرور لفترات قد تدفع إلى الجنون أحياناً لدرجة أن الشارع يتوقف أكثر من 3 ساعات بسبب الازدحام المروري، خصوصاً أن السيارات اتخذت من الشوارع مواقف خاصة لها بصورة عشوائية رغم وجود ثلاث نقاط مرور في شارع فيصل".
محمد سمير، أحد قاطني حي فيصل، يقول: "العديد من سائقي الميكروباص يستمدون قوتهم من أمناء الشرطة من ملاك الميكروباصات مما ينذر بكارثة اخلاقية يتورط فيها رجال المرور"، ليس سراً أن عدداً كبيراً من صغار الضباط وأمناء الشرطة يملكون أساطيل من الميكروباص، يعمل عليها عدد من السائقين ذوي الحظوة، وهؤلاء يتمتعون بحماية سرية ولا يخضعون لقواعد المرور بفضل علاقتهم بـ"الباشوات" في الأمن والمرور.
ويؤكد سمير أن السائقين يستغلون الركاب، فمنهم من يقوم بتقسيم خط السير إلى ثلاث مراحل، وبذلك يدفع المواطنون أضعاف الأجرة المقررة، موضحاً أنه تقدم بشكاوى عديدة إلى ادارة مرور فيصل ولكن بلا فائدة.
ويقول أحمد سامي، الذي يقطن في حي الهرم، أكثر ما يزعجني في الميكروباص هو صوت الكاسيت العالي، وعدم احترام السائقين لمحطات النزول أو الصعود، الأمر الذي قد يتسبب في تعطيلنا كثيراً.
سامي يفضل الميكروباص على باقي المواصلات لأنه يمر من أمام منزله، بالإضافة إلى أنه أسرع وأرخص من باقي المواصلات الأخرى رغم ما به من سلبيات أبرزها رعونة بعض السائقين وتعاملهم مع الركاب بعدم احترام.
السائقون يشتكون
في المقابل كان للسائقين تعليقات أخرى، محمد إبراهيم، سائق ميكروباص، يقول إن السائق لا سبيل ولا مفر أمامه سوى أن يكون بلطجياً لأن القانون لا يحميه، مشيراً إلى أنه كان لا بد من التعامل بشدة مع المواطن لإجباره على قبول زيادة الأجرة، مضيفاً: "المواطن لايري إلا نفسه، وينظر للسائق على أنه من طبقة أخرى".
"لسنا لصوصاً كما يصورنا الإعلام"، هكذا يقول سالم عبد العاطي - سائق ميكروباص - ويتابع: الحكومة لابد أن تتدخل وتقوم برفع أسعار الأجرة بصورة معلنة، كما قامت برفع أسعار الوقود حتي يتجنب الجميع المشاجرات والمشاحنات التي تندلع يومياً بين المواطنين والسائقين.
ويضيف عبد العاطي: الركاب لا يعترضون على سلوك سائقي سيارات الميكروباص لعدم وجود بديل آخر بسبب قلة عدد الأتوبيسات رغم الكثافة السكانية العالية بشارعي فيصل والهرم؛ موضحا أن المشكلة الأخرى تتمثل في أن بعض المواقف تسيطر عليها مجموعة من البلطجية يقومون بفرض الإتاوات على السائقين وأكثرهم مسجلون خطرين لدى الجهات الأمنية ويعملون كمرشدين لبعض الضباط، ويعتبرون أنفسهم قوة فوق القانون، والقانون لا يجبر ضابط البحث الجنائي على الإفصاح عن شخصيات المرشدين حماية لهم باعتبارهم أمناء، وكل ذلك يساهم في إحكام قبضة هؤلاء البلطجية على المواقف.
أما السائق، عبد العزيز نور، فيقول: "المواطن يرى صاحب الميكروباص حرامي، ونحن نضطر يوميا لدفع الأموال لأمناء الشرطة لحمايتنا من المخالفات".
طوابير الملل
لا يختلف الأمر في المحافظات عنه في القاهرة، يمر طابور الانتظار العشوائي لسيارات الأجرة في أسيوط طويلاً ومملا، يتصبب العرق من المنتظرين تحت حرارة الشمس وصوت وارتفاع درجة حرارة السيارة، ومشادات السائقين والركاب في موقف أجرة كبرى محافظات الصعيد.
وسط همهمات التذمر بين الركاب قالت مبصرة سعيد (55 سنة) إنها مريضة وتذهب للمتابعة لدى طبيب بأسيوط بمعدل مرة شهرياً، وأتى حظي هذا الشهر بعد قرار رفع الأسعار، السائق خيّرنا بين أن يركب في الكرسي 4 ركاب كل راكب 6 جنيهات وفق التسعيرة الجديدة، أو 3 وكل راكب طبقاً لسعة الكرسي، ويدفع الراكب 8 جنيهات، واضطر الركاب إلى السكوت رضوخاً للأمر الواقع.
وقال شريف الساعي (سائق) إنه يرفع تعريفة الأجرة كما يفعل زملاؤه السائقون، ولم يجد الساعي مبرراً لفعلته إلا انه قال: "أنا مثل الناس وخلاص مش هطلع إلا إذا ركبوا 4 رؤوس في الكرسي أو يركبوا 3 ويدفعوا الزيادة في الأجرة".
ويشكو محمد النادي (طالب جامعي) من سطوة سائقي الميكروباص. ويضيف أن ذلك يحدث بالتوازي مع عدم التواجد المروري، وكذلك عدم الاهتمام بالطرق وسلامتها وطبيعة المركبات المختلفة وحالتها، مما يجعل منظومة النقل سيئة.
كما أن الركاب كثيراً ما يتعرضون للنشل والسرقة داخل السرفيس وسيارات الأجرة بسبب الازدحام. وتتعرض الفتيات والنساء للتحرش.. موضحاً أن طلبة الجامعة يضطرون دائماً للسير علي الأقدام مسافات طويلة لملاقاة السيارات قبل وصولها للموقف والفوز بمقعد بداخلها.
