من السهل اكتشاف الاعتداءات على شبكة الكهرباء الوطنية على من يسير في شوارع العاصمة العراقية بغداد، بالرغم من الأسلاك الكهربائية الكثيرة المتشابكة التي تنقل التيار الكهربائي من المولدات الأهلية إلى المنازل والأسواق ومكاتب العمل المختلفة.
يضطر السكان إلى الاعتماد على المولدات الأهلية للتزوّد بالطاقة الكهربائية، بنتيجة الأزمة التي يشهدها قطاع الكهرباء في العراق منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003. ومع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف وانخفاضها شتاءً، تتقلص فترة تزويد الطاقة الكهربائية من الشبكة الوطنية، لتصل أحياناً إلى أربع ساعات في اليوم الواحد، وهو ما يضطر كثيراً من السكان إلى الاعتداء على خطوط الشبكة الوطنية، والحصول على تيار كهربائي بشكل غير قانوني.
الاعتداء غير القانوني هذا، يعرف في البلاد باسم "الجطل". الكلمة في الأساس تطلق على شوكة الطعام، لكنّ العراقيين في هذه الكلمة يلفظون حرف الشين جيماً معطشة للتعبير على هذا الفعل بالتحديد. يجد عراقيون "الجطل" حقاً مشروعاً إذ يتهمون حكومة بلادهم بالفساد الذي تسبب في حرمانهم من الحصول على تيار كهربائي كان في السابق يصلهم بشكل مستمر من دون انقطاع، وبأسعار رمزية. حامد ريسان مسن في العقد الثامن، يقول إنّه لم يرَ طوال حياته "اعتداء حكومياً على المواطن مثل اليوم". يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ بغداد التي ولد وعاش فيها "كانت الكهرباء من أبرز الخدمات الحكومية التي انتفع بها سكانها منذ بدايات القرن الماضي".
يتذكر ما كان عليه الحال في سنوات سابقة: "مرات قليلة كان التيار الكهربائي ينقطع، وكان السبب تصليح عطل أو تجديد شبكات، ولم يكن الوقت يستغرق سوى دقائق أو ساعة في أكثر تقدير". يتابع: "بالنسبة إليّ، لا أستطيع تحمل درجات الحرارة المرتفعة في الصيف، ومن غير الممكن الاعتماد بشكل كلي على مولدات الكهرباء الأهلية؛ فأسعارها مرتفعة، لذلك أعتمد على الجطل الذي يمكّنني من تشغيل مكيفات الهواء".
لا يقتصر اعتماد "الجطل" في العراق على طبقة من دون أخرى، فمن يعتدون على شبكة الكهرباء الوطنية فقراء وميسورو حال وأصحاب محال وشركات تجارية. كاظم عبود، أربعيني يسكن في معسكر سابق للقوات العراقية، يقع في شمال بغداد، رفقة عشرات العائلات، إذ يمنعهم فقر الحال من السكن داخل حي سكني. مثلما يسكن عبود وجيرانه بشكل غير قانوني، معتدين على أملاك الدولة، التي تغض النظر عن اعتداءات السكن في بعض الأملاك التابعة لها في الوقت الحالي، يعتدون كذلك على شبكة الكهرباء، بالإضافة إلى شبكة المياه أيضاً.
اقــرأ أيضاً
يقول عبود لـ"العربي الجديد" إنّ "الحكومة هي السبب. ليست هناك مشاريع حكومية توفر عملاً يسد حاجة المواطنين، ولا تقدم مشاريع لإسكانهم، ولا تهتم بتوفير الخدمات البسيطة لهم، فلماذا تحاسبنا على اعتدائنا؟ بل لماذا لا نعتدي؟". يستدرك: "لكنّي لا أرى في ما نفعله اعتداء على الدولة... إنّنا نأخذ بعضاً من حقوقنا، فالجطل يعني تزويد مساكننا بالكهرباء الوطنية التي هي من حق المواطن. هذا كلّ ما نفعله".
الأسواق المزدحمة التي تنتشر وسط الأحياء السكنية تتطلب محالها تياراً كهربائياً عالياً. وفيما يعتبر الاعتماد على ما تزوده الشبكة الوطنية من كهرباء بشكل رسمي وقانوني غير كافٍ لتشغيل هذه المحال منذ الصباح الباكر حتى وقت متأخر من المساء يعتبر "الجطل" الحلّ الأمثل لدى أصحابها. عبد المجيد الحيالي الذي يعمل في تجارة اللحوم المجمدة يقول إنّ مخزنه يحتاج إلى 50 أمبيراً، وهو ما لا يمكن توفيره إلاّ عبر الاعتداء على الشبكة الوطنية. يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّه يعمل في بيع اللحوم المجمدة منذ أكثر من 30 عاماً، وتوسع في عمله خلال هذه المدة، ويملك فروعاً في عدة مناطق من بغداد، يعمل فيها أكثر من 25 عاملاً، وطوال سنوات عمله كان يعتمد على التيار الكهربائي الوطني. يعلق: "كنت أدفع مبالغ مرتفعة كأجور للكهرباء الوطنية التي أعتمد عليها في تشغيل المحال، كان ذلك قبل التحولات التي شهدها العراق بعد العام 2003، وما سببته من تراجع كبير في الخدمات". يؤكد الحيالي أنه على استعداد لدفع أجور التيار الكهربائي بقيمة تجارية مرتفعة مثلما كان الحال عليه في السابق، شريطة تزويده بالكهرباء على مدار الساعة. لكنّه يقول: "ما نعرفه أنّ الفساد المستشري في مؤسسات الدولة يقف حائلاً دون تحسن جميع الخدمات".
معاناة العراقيين من انقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر، واضطرارهم إلى سلوك طرق غير قانونية للتزود بالكهرباء، تقابلها معاناة أخرى لفرق تابعة لوزارة الكهرباء تعمل على متابعة الاعتداءات. يقول حسن الياسري، الذي يعمل في إحدى هذه الفرق، لـ"العربي الجديد" إنّ مهمتهم في رفع "الجطل" غير مجدية. يوضح: "بعد دقائق من إزالتنا مجموعة اعتداءات الجطل على الشبكة الوطنية في شارع واحد وحال مغادرتنا يعيد المواطنون الاعتداءات مرة أخرى. ذلك يتعبنا كثيراً لأنّ جهودنا تذهب هباءً".
اقــرأ أيضاً
يضطر السكان إلى الاعتماد على المولدات الأهلية للتزوّد بالطاقة الكهربائية، بنتيجة الأزمة التي يشهدها قطاع الكهرباء في العراق منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003. ومع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف وانخفاضها شتاءً، تتقلص فترة تزويد الطاقة الكهربائية من الشبكة الوطنية، لتصل أحياناً إلى أربع ساعات في اليوم الواحد، وهو ما يضطر كثيراً من السكان إلى الاعتداء على خطوط الشبكة الوطنية، والحصول على تيار كهربائي بشكل غير قانوني.
الاعتداء غير القانوني هذا، يعرف في البلاد باسم "الجطل". الكلمة في الأساس تطلق على شوكة الطعام، لكنّ العراقيين في هذه الكلمة يلفظون حرف الشين جيماً معطشة للتعبير على هذا الفعل بالتحديد. يجد عراقيون "الجطل" حقاً مشروعاً إذ يتهمون حكومة بلادهم بالفساد الذي تسبب في حرمانهم من الحصول على تيار كهربائي كان في السابق يصلهم بشكل مستمر من دون انقطاع، وبأسعار رمزية. حامد ريسان مسن في العقد الثامن، يقول إنّه لم يرَ طوال حياته "اعتداء حكومياً على المواطن مثل اليوم". يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ بغداد التي ولد وعاش فيها "كانت الكهرباء من أبرز الخدمات الحكومية التي انتفع بها سكانها منذ بدايات القرن الماضي".
يتذكر ما كان عليه الحال في سنوات سابقة: "مرات قليلة كان التيار الكهربائي ينقطع، وكان السبب تصليح عطل أو تجديد شبكات، ولم يكن الوقت يستغرق سوى دقائق أو ساعة في أكثر تقدير". يتابع: "بالنسبة إليّ، لا أستطيع تحمل درجات الحرارة المرتفعة في الصيف، ومن غير الممكن الاعتماد بشكل كلي على مولدات الكهرباء الأهلية؛ فأسعارها مرتفعة، لذلك أعتمد على الجطل الذي يمكّنني من تشغيل مكيفات الهواء".
لا يقتصر اعتماد "الجطل" في العراق على طبقة من دون أخرى، فمن يعتدون على شبكة الكهرباء الوطنية فقراء وميسورو حال وأصحاب محال وشركات تجارية. كاظم عبود، أربعيني يسكن في معسكر سابق للقوات العراقية، يقع في شمال بغداد، رفقة عشرات العائلات، إذ يمنعهم فقر الحال من السكن داخل حي سكني. مثلما يسكن عبود وجيرانه بشكل غير قانوني، معتدين على أملاك الدولة، التي تغض النظر عن اعتداءات السكن في بعض الأملاك التابعة لها في الوقت الحالي، يعتدون كذلك على شبكة الكهرباء، بالإضافة إلى شبكة المياه أيضاً.
يقول عبود لـ"العربي الجديد" إنّ "الحكومة هي السبب. ليست هناك مشاريع حكومية توفر عملاً يسد حاجة المواطنين، ولا تقدم مشاريع لإسكانهم، ولا تهتم بتوفير الخدمات البسيطة لهم، فلماذا تحاسبنا على اعتدائنا؟ بل لماذا لا نعتدي؟". يستدرك: "لكنّي لا أرى في ما نفعله اعتداء على الدولة... إنّنا نأخذ بعضاً من حقوقنا، فالجطل يعني تزويد مساكننا بالكهرباء الوطنية التي هي من حق المواطن. هذا كلّ ما نفعله".
الأسواق المزدحمة التي تنتشر وسط الأحياء السكنية تتطلب محالها تياراً كهربائياً عالياً. وفيما يعتبر الاعتماد على ما تزوده الشبكة الوطنية من كهرباء بشكل رسمي وقانوني غير كافٍ لتشغيل هذه المحال منذ الصباح الباكر حتى وقت متأخر من المساء يعتبر "الجطل" الحلّ الأمثل لدى أصحابها. عبد المجيد الحيالي الذي يعمل في تجارة اللحوم المجمدة يقول إنّ مخزنه يحتاج إلى 50 أمبيراً، وهو ما لا يمكن توفيره إلاّ عبر الاعتداء على الشبكة الوطنية. يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّه يعمل في بيع اللحوم المجمدة منذ أكثر من 30 عاماً، وتوسع في عمله خلال هذه المدة، ويملك فروعاً في عدة مناطق من بغداد، يعمل فيها أكثر من 25 عاملاً، وطوال سنوات عمله كان يعتمد على التيار الكهربائي الوطني. يعلق: "كنت أدفع مبالغ مرتفعة كأجور للكهرباء الوطنية التي أعتمد عليها في تشغيل المحال، كان ذلك قبل التحولات التي شهدها العراق بعد العام 2003، وما سببته من تراجع كبير في الخدمات". يؤكد الحيالي أنه على استعداد لدفع أجور التيار الكهربائي بقيمة تجارية مرتفعة مثلما كان الحال عليه في السابق، شريطة تزويده بالكهرباء على مدار الساعة. لكنّه يقول: "ما نعرفه أنّ الفساد المستشري في مؤسسات الدولة يقف حائلاً دون تحسن جميع الخدمات".
معاناة العراقيين من انقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر، واضطرارهم إلى سلوك طرق غير قانونية للتزود بالكهرباء، تقابلها معاناة أخرى لفرق تابعة لوزارة الكهرباء تعمل على متابعة الاعتداءات. يقول حسن الياسري، الذي يعمل في إحدى هذه الفرق، لـ"العربي الجديد" إنّ مهمتهم في رفع "الجطل" غير مجدية. يوضح: "بعد دقائق من إزالتنا مجموعة اعتداءات الجطل على الشبكة الوطنية في شارع واحد وحال مغادرتنا يعيد المواطنون الاعتداءات مرة أخرى. ذلك يتعبنا كثيراً لأنّ جهودنا تذهب هباءً".