في أيار/ مايو 2016، نظّم "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – فرع تونس" يوماً دراسياً حول المؤرّخ التونسي هشام جعيّط بمناسبة عيد ميلاده الثاني والثمانين، وفيه جرى تقديم قراءات من مجالات متنوّعة مثل التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع حول أعمال جعيّط التي اشتغلت على مسارين متوازيين؛ التاريخ الإسلامي، والنقد الحضاري لواقع الثقافة العربية، وهما مجالان كان كل واحد منهما يخصب الآخر.
عشر دراسات معظمها أوراق قُدّمت خلال اليوم الدراسي صدرت مؤخراً في كتاب بعنوان "جدل الهوية والتاريخ.. قراءات تونسية في مباحث الدكتور هشام جعيّط" في طبعة مشتركة بين "المركز العربي" ومنشورات "سوتيميديا". عمل قام بتنسيقه وإعداده لطفي بن ميلاد.
بن ميلاد كانت له أيضاً مساهمة بإحدى الدراسات حيث أشار إلى أن هذا الكتاب يأتي كقراءة لانخراط هشام جعيّط في مشاغل الثقافة العربية منذ الستّينيات، ورغم هذا المسار الطويل إلا أنه لم يحظ بدراسة شاملة، ليتناول بعد ذلك مؤثرات معرفية كثيرة في أعمال صاحب كتاب "تأسيس الغرب الإسلامي"، مؤثرات مثل هيغل وفيبر وفيرهاوزن، مؤكداً على أن جعيّط تعامل بنديّة مع هذه الأسماء ومع مجمل الإرث المعرفي الغربي.
في ورقته، قدّم المفكر التونسي فتحي التريكي مقاربة لمشوار جعيط المعرفي انطلاقاً من مفهوم الهوية، وهي قراءة تظهر أبعاداً فلسفية في منجز المؤرخ التونسي قلما التفت إليها الدارسون من خلال الطرح الإشكالي لمسائل مثل الحداثة والحرية.
يعتبر التريكي أن جعيّط تعامل مع هذه القضايا بكثير من الأريحية على عكس معظم المثقفين العرب، حيث يجد أنه تبنّى موقفاً موضوعياً حين اعتبر أن كل علاقة بالحداثة تتضمّن علاقة بالثقافة الغربية بإيجابياتها وسلبياتها، ويرصد استعماله لمفردة التحديث بدل الحداثة باعتبار أن الأولى أدق في التعبير على أن ما نسمّيه الحداثة إنما هو عملية تراكمية، إضافة إلى أن كلمة حداثة باتت لها حمولات كولونيالية.
بقية الدراسات وضعها كل من: إدريس جباري، وحمادي المسعودي، والصحبي العلاني، وعبد الحميد الفهري، ولطفي عيسى، ومحمد الخراط، ونبيل خلدون قريسة.
هذا النوع من الدراسات (خصوصاً حين تصدر في كتب) حول مفكرّين لا يزالون يقدّمون عطاء معرفياً ليس من معتاد الحياة الثقافية التونسية، والعربية عموماً، حيث تنحصر معظم الكتابات حول المفكرين الأحياء -إن وُجدت- في سجالات، ويمكن هنا أن نذكر عملاً سابقاً صدر حول جعيّط بعنوان "منطق المؤرّخ" لـ محمد المزوغي اعتبر قاسياً تجاه صاحب "أزمة الثقافة الإسلامية".
تلعب الأعمال التي تقدّم قراءات في منجز فكري دوراً أساسياً في ربط الصلة بين مخرجات أعمال بحثية عادة ما يجري تداولها في دوائر أكاديمية ضيقة إلى القارئ غير المتخصّص. هنا يُذكر أن جعيّط كثيراً ما حمل صفة مزدوجة: الاعتراف بقيمته العلمية، لكن في نفس الوقت يظلّ مؤرخاً ومفكراً غير مقروء.