"ثمة شيء فاسد في الدنمارك"

12 أكتوبر 2019
كيف لبلد منفتح أن يتشدد مع المهاجرين؟ (العربي الجديد)
+ الخط -
"البلد الذي عُرف بإنقاذه اليهود من النازيين يدير ظهره اليوم للأقليات فيه". هذا ما خلصت إليه شبكة "إيه بي سي" الأسترالية في خلال تقرير أعدّه مراسلها هاميش ماكدونالد تحت عنوان "دولة الدنمارك". وتعكس جولة ماكدونالد في الدنمارك والمقابلات التي أجراها مع دنماركيين، صورة سيّئة للبلاد، ويمكن القول بالتالي إنّ "ثمّة شيئاً فاسداً هنا" لشرح علاقة المجتمع الدنماركي بالمهاجرين وموقفه تجاههم، خصوصاً المسلمين منهم.

في خلال إعداده تقريره، تنقّل ماكدونالد في مناطق مختلفة، منها حيّ نوربرو في العاصمة كوبنهاغن، الذي يضمّ عدداً لا بأس به من الأشخاص ذوي أصول مهاجرة. ولا يخفي المراسل الأسترالي الصعوبة التي واجهها بسبب تمنّع عدد من الدنماركيين عن الحديث معه حول المهاجرين، الأمر الذي دفعه إلى السؤال: "كيف لبلد من أكثر بلدان انفتاحاً أن ينتهج خطوطاً متشددة مع مهاجريه؟". وللإجابة، راح ماكدونالد يغوص في مواقف الدنماركيين من الأجانب عموماً، ويلجأ إلى أمثلة من خلال مواقف وزيرة الهجرة والدمج السابقة إنغر ستويبرغ (التي احتفظت بمنصبها حتى يونيو/ حزيران الماضي، واختيرت أخيراً لتكون نائبة رئيس حزبها فينسترا) التي لم تتردّد في وقت سابق بتصوير نفسها مع كعكة (قالب حلوى) شبيهة بتلك التي تُعَدّ بمناسبة أعياد الميلاد مزيّنة بالشموع وبأعلام الدنمارك، للتعبير عن سعادتها والاحتفاء بوصول عدد القوانين المتشددّة في البلاد إلى 50 قانوناً، من بينها قانون حظر النقاب في الأماكن العامة. وأشار المراسل نفسه إلى أنّ الدنمارك صارت من أكثر الدول تشدداً مع الأجانب حول العالم، "بما في ذلك العقاب المزدوج والحضانات الجبرية (للأطفال) في ما يُسمّى مناطق الغيتوهات".



والتقى ماكدونالد في السياق نفسه زعيم حزب "سترام كورس" (النهج الصلب/ المتشدد) اليميني المتطرف، راسموس بالودان، الذي لم ينل حزبه في انتخابات يونيو/ حزيران الماضي اثنَين في المائة من الأصوات، وبالتالي لم يتمكّن من اجتياز عتبة الحسم لإدخال أربعة برلمانيين عنه. وذكر المراسل أنّ بالودان طلب منه اصطحاب 700 ألف مسلم معه إلى أستراليا، مع العلم أنّ هذا الرقم غير دقيق إذ إنّ المسلمين في الدنمارك لا يتعدّون 340 ألف شخص. وتناول المراسل كذلك موضوع حظر النقاب وما يقوله دنماركيون من أمثال بالودان في السياق، من قبيل أنّ المنقّبات هنّ "نينجا إرهابيات" وأنّهنّ "يصرنَ أسيرات منازلهنّ بسبب حظر تجوّلهنّ بالنقاب في المجتمع". في سياق متّصل، نقل ماكدونالد عن الممثلة الكوميدية من أصل مهاجر (إيران) إيلي جوكر، أنّها تعدّ نفسها "ابنة منطقة رماديّة، لأنّ الأشخاص من أمثالي لا يتقبّلهم الدنماركيون ولا المسلمون كذلك".

تقرير ماكدونالد خلّف امتعاضاً لدى دنماركيين كثيرين من جرّاء الصورة التي نقلها عن بلادهم، وقد نقلت صحيفة "يولاندس بوستن" الدنماركية ذلك الانزعاج من "الصورة الفاسدة" التي رسمها المراسل الأسترالي عن الدنمارك، خصوصاً أنّه اختار التحدّث مع شخص مثير للجدال من حزب الشعب الدنماركي، في أقصى اليمين المتطرّف، هو عضو البرلمان السابق ومقرّر شؤون الهجرة عن حزبه، مارتن هينركسن. فالأخير صرّح في تقرير "إيه بي سي" الأسترالية بأنّ "الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار الوسط) ما كان ليفوز في الانتخابات البرلمانية ويشكّل الحكومة (يونيو/ حزيران الماضي) لولا أنّه لم يعتمد خطاباً متشدداً تجاه الأجانب والهجرة". بمعنى آخر، فإنّ التشدّد بالنسبة إلى هينركسن هو مفتاح الوصول إلى الحكم، إذ إنّ الشارع صار أكثر ميلاً إلى التعصّب، معيداً الفضل إلى حزبه. وفي حديثه مع ماكدونالد، شدّد هينركسن قائلاً: "أنت مضطر إلى أن تكون قاسياً في وجه المهاجرين، أو على أقلّ تقدير الظهور وكأنّك قاس ومتشدد". يُذكر أنّ المراسل لحظ في تقريره أنّ "مواقف الدنماركيين من المهاجرين تغيّرت بشكل جاد منذ وقوع هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على برجَي التجارة العالمية في الولايات المتحدة الأميركية". 



وفي حين أشار المراسل إلى أنّ الدنمارك تُعَدّ "من الدول الأكثر انتهاجاً للمساواة والأكثر ترحيباً بالأجانب حول العالم"، فقد أكّد أنّ ثمّة "ما انكسر في هذه الأيام في ما يتعلّق بتماسك هذا المجتمع. فقد تغيّر مزاجه المتسامح، الأمر الذي يدفع المهاجرين إلى الشعور بأنّهم على الهامش". وشرح ماكدونالد للأستراليين، في تقريره، أنّ "صرامة التعديلات القانونية التي تُعَدّ من الأكثر شدّة مع المهاجرين في أوروبا تحظى بموافقة المعسكرَين السياسيَّين في البلاد (يمين ويسار الوسط)"، لافتاً إلى أنّه "في المناطق السكنية التي تضمّ نسباً كبيرة من المهاجرين وتُسمّى أحياء غيتو، تأتي العقوبة مضاعفة لمن يرتكب جريمة من بين قاطنيها".