على خشبة مسرح "تياترو" في تونس العاصمة، يُقدّم عند التاسعة من مساء بعد غدٍ الخميس عرض "ثلاثين وأنا حاير فيك" من إخراج توفيق الجبالي، الذي يجسّد خلالها حيرة المخرج المسرحي في التعامل مع الحياة والسياسة والمسرح، ويعاد عرضها في السهرتين التاليتين.
ثلاثون ممثلاً يشاركون في العمل الذي يتحدّث عن تجربة صاحب "ذاكرة ديناصور" (1987) في إنشاء أول مسرح تونسي مستقل قبل ثلاثين عاماً؛ "تياترو"، ويطرح فيها بأسلوب ناقد وساخر العلاقة الشائكة بين الفنان والمجتمع، وافتقاد المواطنة في ظلّ تردي الأوضاع السياسية تونسياً وعربياً.
في حديثه لـ"العربي الجديد"، يقول الممثل والكاتب المسرحي عصام العياري (أحد المؤدّين المشاركين في المسرحية) إن "الجبالي يطلّ في هذا العرض على أفضل تجاربه في تكوين الممثّل وإعداده ضمن اختياراته التي نوّعها بين ممثلين جدد وآخرين راكموا تجاربهم معه خلال عقود ثلاثة".
ويوضّح أن "العمل شارك في كتابته محمد صابر الوسلاتي وعياض الشواشي اللذان يعدّان من أبرز الكتّاب حالياً، ما يعكس رغبة إضافية في إشراك وجوه جديدة في الكتابة المسرحية، في نص حديث لا يأتي كاجترار أو تلخيص لنصوص سابقة قدّمها صاحب "المجنون"، وإن استعاد القليل منها".
التحصّن بالجدار الرابع (المسرح) في رحلة طويلة لم يطلب فيها الجبالي دعماً رسمياً تعدّ الفكرة الأساسية لعرضه الجديد، بحسب العياري، الذي يشير إلى أن كثيرين حاولوا اختراقه وتحطيمه ممن يقدّمون مسرحاً تجارياً مبتذلاً.
عبر محاولة لفهم ما الذي تغيّر في الثلاثين سنة الماضية، يؤكّد صاحب "سابينس" أن الثابت فيها كان الحفاظ على استقلالية المسرح وصياغة لغة إنسانية موجهة للإنسان قائمة على المنحى الجمالي".
يتابع "قدّمت ثلاث شخصيات في أجزاء العمل الثلاثة؛ الأولى ممثّل غريب اللباس والأطوار في حركاته وإلقائه النص أقرب إلى إنسان متخلّف بليد الذهن، لكنه ينطق بالحكمة في استحضار لشخصية الفنان وعلاقته بالإبداع".
في الجزء الثاني الذي يعتمد الكوميديا، يؤدي العياري دور شخص غائب عن الوعي بعد خروجه من حانة، فيلتقي بصديق له في الحالة ذاتها، فيتبادلان الكلام عن الحياة الشخصية لفنانين تونسيين مثل علي الرياحي؛ حديث قشور لا صلة له بالفن إنما يعكس نظرة مبتذلة وعنيفة من المجتمع تجاه الفنان متجاهلاً فنّه ومركّزاً على ميوله الجنسية المختلفة مثلاً".
يذهب العياري في حضوره الثالث في العمل إلى منطقة السياسة، ويطرح مفهوم المواطنة الذي يغيّب رغم إجراء الانتخابات، في ظل الصراع بين قوى دينية ماضوية ومنظومة سلطوية قديمة، حيث يقدّم شخصية أقرب إلى الملاك ترتدي الأبيض وتحضر لنعي المواطن الذي في اكتشافها موته تعدّد مساوئه حيث لا يدفع الضريبة ولا تشغله سوى الكرة ويستورد كل شيء من الخارج، لذلك لن تفقد الإنسائية شيئاً برحيله".