"توت" إلى حدّ الانهيار في بيروت

19 أكتوبر 2015
... ويرتفع مستوى الضوضاء أكثر فأكثر (فرانس برس)
+ الخط -
"توت توت ع بيروت طلعة ونزلة بثلاث قروش"، رديّة من أيام الطفولة تؤكّد أن حركة السير في بيروت كانت دائماً نشطة. أما اليوم، فقد تحوّل هذا "التوت" المتصاعد إلى زعيق لم يعد يحتمل. هو يهدّد بتلف الأعصاب والسمع، نظراً لزحمة السير الكثيفة التي جعلت بيروت واحدة من المدن الأكثر تلوّثاً، بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية.

لبنان من بين بلدان العالم الثالث المهددة بالطرش، فمستويات الضوضاء تخطّت 90 ديسيبل، في حين أن الحدّ الأقصى الذي تشير إليه منظمة الصحة العالميّة هو 56 ديسيبل. ويرتفع مستوى الضوضاء أكثر فأكثر، في ظلّ غياب الوقاية والقوانين التي تحكم هذا التلوّث الضوضائي.

تشير دراسة صادرة عن الجامعة الأميركية في بيروت إلى أن "الضوضاء لا ترحم وسط مدينة بيروت التي تعتبر مركزاً تجارياً تنشط فيه حركة الإعمار نهاراً ومقصداً سياحياً تكثر فيه المطاعم والملاهي ليلاً". بالتالي "يصل مستوى الضوضاء إلى 76 ديسيبل نهاراً و71 مساءً و96 ليلاً". وكمثال على ذلك، تلفت الدراسة إلى أنّ مستوى الضوضاء ارتفع في منطقة الدورة (شرق بيروت) عن الحدّ المسموح به 52 مرة نهاراً و40 مرّة مساءً و10 مرات ليلاً. أما في وسط المدينة فقد ارتفع 6.1 مرات نهاراً و6.21 مرات مساءً و52 مرة ليلاً". وتوضح الدراسة أنّ كل زيادة بمقدار 10 ديسيبل في الضوضاء تمثّل بالحساب اللوغاريتمي، زيادة بمقدار عشرة أضعاف في حدته.

وعن مصادر الضوضاء في منطقة بيروت الكبرى والأضرار الصحية الناجمة عنه، يُشار إلى الدراجات النارية، وحركة السير عموماً، وزعيق أبواق السيارات. تلي ذلك مولّدات الكهرباء الخاصة وأعمال الإنشاء، وحركة الطائرات.

كذلك تشير الدراسات إلى أن التلوّث الضوضائي قد يتسبّب في ردود فعل سلبيّة من قبيل الشرود الذهني، وعدم القدرة على التركيز، وارتفاع ضغط الدم، والإفرازات الزائدة لبعض الغدد، وارتفاع نسب السكر في الدم، والإصابة بقرحة المعدة، وأوجاع الرأس، والشعور بالتعب، والأرق، وغيرها.

وهنا لا بدّ من السؤال عن مستويات الضوضاء المسموح بها والتي لا تؤثر على جسم الإنسان. تفيد البيانات في هذا الإطار بأن الضوضاء تصبح مؤذية ابتداءً من 80 ديسيبل، وتشكّل خطراً حقيقياً خصوصاً على السمع ابتداءً من 90 إلى 100 ديسيبل. لذلك حدّد مستوى الصوت في المستشفيات مثلاً بـ15 ديسيبل وما دون، وفي غرف النوم بـ20 ديسيبل، وفي داخل المنازل بـ30 ديسيبل، وفي المدارس بـ40 ديسيبل، وفي صالات السينما والمكاتب بـ45 ديسيبل، وفي المطاعم والمحلات التجارية بـ55 ديسيبل، وفي الشارع بـ65 ديسيبل، وفي المعامل والمطارات والساحات العامة بـ80 ديسيبل.

يوضح الخبير البيئي الدكتور فريد شعبان لـ"العربي الجديد" أن "الضوضاء اليوم أصبحت لا تحتمل. هي ترهق الأعصاب وتؤدّي إلى اضطرابات نفسية، فتؤثّر بالتالي على الإنتاجية والقدرة على متابعة سير العمل. وهي لا تقتصر فقط على صوت محركات المركبات، بل تعدت ذلك لتشمل أبواقها".

ويوضح أن "الأذن عادة تسمع الأصوات التي تراوح ما بين 30 و40 ديسيبل، إلا أنها لم تعد تسمعها إلا ابتداءً من 60 ديسيبل بسبب الضوضاء". ويلفت إلى أن "من أبرز أسباب ضعف السمع عند الناس هو الضوضاء العالية. وفقدان السمع يبدأ عادة ضعفاً ليتحوّل من ثم إلى طرش يصحبه طنين أو رنين في الأذن". يضيف أنّ "هذا الطرش الجزئي يصيب الأذنين معاً، وهو يتفاقم نحو الأسوأ من دون أي احتمال للتحسّن أو العودة إلى الوراء. لذلك تعدّ الضوضاء من الملوثات البيئية التي تشكل إزعاجاً للراحة وضرراً محتملاً على السلامة والصحة العامتَين".

من جهته، يتحدث الاختصاصي في طب الأذن والحنجرة الدكتور أنطوان نعمة لـ"العربي الجديد" عن مدى تأثير الضوضاء على صحة الأذن، قائلاً: "لا شك في أن زحمة السير الخانقة اليومية في بيروت تؤثّر على السمع، خصوصاً لدى القاطنين بالقرب من الطرقات السريعة، حيث تتخطى الضوضاء 80 ديسيبل". يضيف أن "الأمر هو ذاته بالنسبة إلى القاطنين بالقرب من المطار، بالإضافة إلى عوامل أخرى كالزمامير والمولّدات الكهربائية. كلها عوامل تحدث خللاً في السمع، لدرجة أن الضوضاء المستمرّة باتت ترهق الأعصاب وتؤثّر على شرايين القلب إلى حدّ التسبب بالضغط النفسي".

ويوضح نعمة أنه "من أجل حماية الأذن، لا بدّ من إنشاء جدران لعزل الأصوات المرتفعة أو الضوضاء ما بين المساكن القريبة من الطرقات السريعة والمطار ومصادر الضوضاء، أي الطرقات السريعة نفسها". ويحذّر قائلاً إن "أي إهمال قد يؤدي إلى تلف عصب الأذن، وهذا أمر صحي دقيق".

إقرأ أيضاً: لبنان عاجز عن حماية بيئته
دلالات