توالى بشكل لافت رفع تقارير من مؤسسات تعمل في مجال الوساطة أو المراقبة والتقييم، توصف بكونها "تقارير سوداء"، إلى العاهل المغربي، الملك محمد السادس، تنتقد قطاعات الاقتصاد أو التعليم أو أداء الإدارات العامة، ما يطرح السؤال عن مدى مساهمة هذه التقارير في صياغة قرارات حاسمة تصل إلى حد إعفاء مسؤولين كبار؟
ويكاد يُجمع محللون على أن التقرير الذي رفعه "والي بنك المغرب" (البنك المركزي) إلى الملك، أواخر يوليو/تموز الماضي، حول عدد من المشاكل التي تحد من الاقتصاد المغربي، كان أحد الأسباب الرئيسية وراء قرار إعفاء وزير المالية والاقتصاد، محمد بوسعيد، من منصبه. وكان تقرير مدير البنك المركزي، عبد اللطيف الجواهري، قد وصف وتيرة الاقتصاد المغربي بكونها دون المستوى المطلوب، إذ "يظل النشاط غير الفلاحي بطيئاً، والاستثمار الخاص محدود، ما يقلل من فرص تحسن النمو والتشغيل"، معتبراً أن "الإصلاحات التي بوشرت لا يكفي فقط توسيع نطاقها، بل يقتضي الأمر إنجاح تنفيذها وإتمامها في الآجال المحددة".
وأعقب تقرير إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة رسمية معنية بفحص مالية مؤسسات الدولة)، الذي قدم إلى الملك في أكتوبر/تشرين الأول الماضي حول أسباب تعثر تنفيذ المشاريع الملكية بمدينة الحسيمة، إطاحة محمد السادس وزراء من الحكومة الحالية ومعاقبة وزراء سابقين من الحكومة السابقة. وقرر الملك المغربي، بعد اطلاعه على تقرير جطو، إعفاء أربعة وزراء من حكومة سعد الدين العثماني، وحرم عدداً من وزراء حكومة عبد الإله بنكيران من أية مسؤولية حكومية مستقبلاً، فضلاً عن معاقبة 14 مسؤولاً آخرين. وتسلم الملك، قبل أيام قليلة، تقريراً من مؤسسة "الوسيط" بشأن واقع الإدارة العمومية وأدائها السلبي، وارتفاع شكاوى وتظلمات المغاربة من عدد من القطاعات العمومية، فضلاً عن "سطوة السلطة واستمرار استعلاء بعض القيمين على الإدارة، وعملهم بمزاجية وفق بيروقراطية لم تعد مقبولة".
وبات مسؤولون كبار في مختلف القطاعات والإدارات يتحسسون رؤوسهم خشية تعرضهم لقرارات الإعفاء أو تجميد المهام، بسبب مثل هذه التقارير الموسومة بكونها "سوداء"، بسبب الانتقادات الكبيرة التي تحويها لأداء مسؤولين، وهو ما بات يوصف في البلاد بالزلازل السياسية. ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة مراكش، محمد الزهراوي، أن رفع "تقارير سوداء" عن الاقتصاد والإدارة والتنمية إلى الملك، من جانب مؤسسات رقابية دستورية في هذا الظرف الموسوم بالاحتقان الاجتماعي والجمود السياسي، يؤشر على أن هناك "أزمة مؤسساتية" تعيشها البلاد. ويوضح الزهراوي، لـ"العربي الجديد"، أنه من تداعيات وتجليات هذه الأزمة، الإقرار الرسمي بفشل النموذج التنموي، وجمود بعض المؤسسات الدستورية، وضعف المؤسسات المنتخبة وعدم قدرتها على بلورة حلول لمشاكل المواطنين، بالإضافة إلى نفور وعدم ثقة المواطنين بالمؤسسات. ويتوقع الزهراوي أن "يؤدي هذا الأمر إلى حدوث تحولات وتغيرات جوهرية على مستوى مجموعة من المؤسسات، التي باتت عاجزة عن مسايرة التغيرات العميقة التي يعيشها المجتمع المغربي"، معتبراً أن "الخيارات المتاحة أمام الملك مفتوحة على كافة السيناريوهات كيفما كان سقفها وانعكاساتها". ويلاحظ أن إحداث "هزة قوية داخل المشهد السياسي للبلاد بات مطلباً شعبياً، سواء من خلال تفعيل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، أو من خلال القيام بخطوات عملية وإجرائية لتجديد هياكل الدولة، وتجديد نخبها القيادية".
ومن جهته، يعتبر مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، أنه "يصعب التكهن بما قد يتقرر إزاء هذه التقارير التي لم تعد تحجب الحقيقة عن الملك"، موضحاً أن "هذه المؤسسات، التي تعتبر مؤسسات حوكمة ورقابة، أنيطت بها أدوار تقوم بها وفق ما يخولها القانون". وبعد أن تساءل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عما إذا كان إطلاع الملك على هذه الاختلالات قد يفضي إلى اتخاذه لقرارات قوية ترقى إلى زلازل سياسية تهز الحكومة والمؤسسات الحكومية، يعتبر أن "احتمال سقوط رؤوس لها وزنها الإداري والسياسي وارد، ولكن بنسبة ضئيلة". وعما إذا كانت العقوبات كفيلة بوقف الخلل في تدبير الإدارة المغربية، يعتبر الخضري أن "معظم الإدارة المغربية تخضع لعقلية استبدادية وفاسدة بشكل متجذر، على نحو يصعب معه أي اختراق في ظل معايير أخرى في اختيار قادة المؤسسات ومراقبتهم". ويقول "ما دامت معايير الولاء السياسي والنخبوي، وحتى الإيديولوجي، تتحكم في عملية اختيار من هم في مناصب المسؤولية، وما دامت نخبة محددة هي التي تتداول فيما بينها أهم مراكز القرار في المؤسسات الكبرى، وما دامت ممارساتها وأفعالها خارجة عن نطاق المحاسبة، فلا ينبغي التفاؤل بأي زلزال، لأن المعادلة المتحكمة في اللعبة تخضع لقواعد لا علاقة لها بما ينبغي فعله لاجتثاث الفساد من الإدارة المغربية".