"تروتينيت" المزعجة... وسيلة نقل كهربائية تقلق فرنسا

30 يونيو 2019
وسيلة تنقل صديقة للبيئة في باريس (Getty)
+ الخط -
إذا كنتَ على موعد مع شخص ما، في باريس أو بعض مدن فرنسا الكبرى، ولم ترغب في استخدام وسائل النقل المعتادة كالمترو والترامواي والباص، فما عليك إلا أن تلتفت من حولك على الرصيف، فتجد دراجة صغيرة كهربائية (تروتينيت أو سكوتر تعمل على البطارية وتشحن كهربائياً من دون إضافة أي نوع من المحروقات إليها)، تتناولها، وتحركها، وتتجه بها نحو مكان موعدك، وعند الوصول يمكنك أن تتخلص منها، كما وجدتها، عبر تركها على الرصيف، فيتلقفها آخر، وكلّ ذلك مقابل بدل مالي بسيط.
هي ظاهرة لم تكن معروفة بهذه الكثرة سابقاً، فوسائل التنقل هذه باتت تعجّ بها الأرصفة الآن خصوصاً في باريس. يتعلق الأمر باتجاه يدافع عنه كثيرون باعتباره "صديقاً للبيئة"، وهو أمر ضروري خصوصاً في المدن الكبرى التي تعاني من تلوث خانق وقاتل، يشتد مع الصيف والقيظ.
لكنّ هذا الاتجاه، أو هذه الموضة، مثل كلّ موضة، لا تروق للجميع، فالبعض بدأ يتقزز من انتشار الدراجات الفوضوي على الأرصفة، وهو ما يشوه رونقها، بالإضافة إلى تزايدها السريع والمزعج في الشوارع، ما أفقد المشاة الهدوء الذي كانوا يحظون به، كما تضايق الدراجات الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية الذين يسيرون بكراسيهم المتحركة، وعربات الأطفال.
سرعة "التروتينيت" التي تزداد مع التطور، ومع وصول طرز جديدة، تثير سعادة مستخدميها، لكنها تخيف كثيرين، بل تتسبب في كثير من الحوادث بعضها خطير وكاد ينتُج عنه إزهاق أرواح. لا يتعلق الأمر بحوادث في الشوارع، بل حتى على الأرصفة حيث الأولوية للمشاة، فإذ بهؤلاء الضيوف المزعجين يتقاسمون المجال، وينشرون نوعاً من الإزعاج، الذي بدأ يصل صداه إلى عمدة بلدية باريس، آن هيدالغو، التي حدّدت السرعة القصوى لهذه الدراجات في 20 كيلومتراً في الساعة، علما أنّ هناك بعض الدراجات التي تصل سرعتها إلى 85 كيلومتراً في الساعة، بل تفكر العمدة، أيضاً، في إبعادها عن الأرصفة، لكنّ هذه الرغبة الأخيرة لم تتحقق بعد، بشكل نهائي.
كثيرة هي التساؤلات التي تطرح بخصوص هذا الآلة التي تفتن عدداً متزايداً من الباريسيين ومن السائحين. فإذا كان كثيرون يمتدحون إيكولوجيتها، فالأمر ليس بهذه البساطة، إذ إنّ العيب الرئيس فيها يتعلق بالبطارية التي تحتوي على الليثيوم، ومتوسط حياة البطارية لا يتجاوز ثلاثة أشهر. والسبب هو أنّ هذه الآلة صُنعت، في البداية، لاستخدام شخصي، وفي هذه الحالة كانت ستعيش لفترة أطول، لكنّ الاستخدام العام والمكثف لها، بل الخشن أحياناً قصّر، بشكل كبير، من عمرها. وهو ما يتطلب استبدالها سريعاً. هو ما يسبب سعادة الصانعين، لكنّ الإيكولوجيا تخرج من هذا التحدي خاسرة بعض الشيء، فالليثيوم، الذي يستخدم في أجهزة إلكترونية عديدة، يبقى، حتى الآن، مادةً من الصعب إعادة تدويرها.

وبالرغم من أنّ دراجات البطارية تلك، تسببت في إصابة كثيرين بجروح في وجوههم ورؤوسهم، رفض البرلمان الفرنسي في 7 يونيو/ حزيران الجاري إلزام اعتمار الخوذة التي تعتبر إجبارية بالنسبة لسائقي الدراجات النارية، وكأنّه تقصير في حماية مستخدميها والمواطنين. ويبدو أن فرنسا لم تستفد بعدُ من تجربة الجار الإيطالي الذي فرض الخوذة، قبل أكثر من 20 عاماً، على كلّ آلة لها عجلتان، بل أصبح الأمر أخطر إذ تسببت "تروتينيت"، بعد أربعة أيام من الرفض البرلماني، في موت سائقها، بعد اصطدامها بشاحنة صغيرة في العاصمة.




وفي انتظار قانون ينظّم هذه الوسيلة الجديدة للنقل، في العاصمة، تبنى مجلس باريس إجراءات من أجل تنظيم استخدام "التروتينيت"، لغرض حماية المشاة، خصوصاً الأطفال والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة. من بين هذه الإجراءات أنّ مستخدم "التروتينيت" سيكون معرّضاً، في حال سيره على الرصيف، لدفع غرامة تصل إلى 135 يورو، كما أنّ ركن "التروتينيت" بطريقة تعيق المشاة غرامته 35 يورو، وهو ما قد يضطر البلدية للتخلص من هذه الآلات. الإجراء الثاني، إنشاء البلدية أماكن خاصة لركن هذه الآلات.
وتأمل البلدية أن يتسع المجال، حتى نهاية العام الجاري، لتوفير 2500 موقف. وفي نهاية المطاف، ستركن هذه الوسائل إلزامياً في هذه الأماكن المخصصة لها. وفي انتظار توفير هذه الأماكن، فإنّ تركها على الرصيف مسموح شريطة عدم إزعاج المشاة. أما الإجراء الثالث فهو توعية الشركات التسع التي تؤجّر هذه الوسائل، لتطوير "ميثاق لسلوك سليم" على منوال ما هو موجود بخصوص الدراجات النارية. وأخيراً، تنظيم سير هذا الأسطول الذي قد يصل في باريس وحدها مع نهاية العام الجاري إلى 40 ألف "تروتينيت". وهذا التنظيم يتم عبر فرض ضريبة على الشركات، تتراوح ما بين 50 و65 يورو على كلّ آلة.
في انتظار تطبيق هذه الإجراءات، وفي انتظار تصويت البرلمان على قانون يضبط الأمر ويمنح وسيلة النقل الجديدة هذه، إطاراً قانونياً، لا تتوقف بلدية باريس عن مناشدة مستخدمي "التروتينيت" بألا يشغّلوها على الأرصفة، وأن يحترموا قانون الطريق، كما يحترمه أصحاب السيارات والدراجات والمشاة.
المساهمون