"تاكسي" جعفر بناهي: الرقابة في فخ السينما

19 فبراير 2015
المخرج في لقطة من الفيلم
+ الخط -

لم يكن مفاجئاً فوز فيلم "تاكسي" للمخرج الإيراني جعفر بناهي (1960)، بجائزة "الدب الذهبي" لأفضل فيلم ضمن المسابقة الرسمية للدورة الخامسة والستين من "مهرجان برلين السينمائي". فمنذ عرضه، انهالت الإشادات على فكرته، إذ كان هناك انطباع أن العمل لن يخرج من المنافسة من دون جائزة.

جاء "تاكسي" إلى المهرجان مهرّباً من إيران، لأن صاحبه يقضي عقوبة لمدة عشرين سنة تمنعه من ممارسة نشاطه السينمائي، بعدما حكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات، ثم أطلق سراحه، ووضع تحت الإقامة الجبرية، ممنوعاً من مغادرة إيران، أو إجراء مقابلات، ومزاولة أي نشاط سينمائي.

لكن، على الرغم من ذلك، وصل فيلمه إلى المسابقة الرسمية وعرض، ثم فاز بأرفع جائزة في المهرجان. وقبل "تاكسي"، اشتغل بناهي سرّاً على فيلم بعنوان "هذا ليس فيلماً" (2011)، شارك به في "مهرجان كان"، وقبل ذلك عُرف بفيلمَي "دائرة القيود" (2000)، و"حالة تسلل" (2006) الذي فاز عنه بجائزة "الدب الفضي" في "مهرجان برلين".

ينطلق بناهي في عمله الأخير من فكرة طريفة وذكية، وأبسط من أفكار أفلامه السابقة، عندما يثبت كاميرا قرب مقود سيارة تاكسي يقودها بنفسه ويجوب بها شوارع طهران، حاملاً معه الركاب. كل مرة يصعد إلى سيارة التاكسي شخص جديد، يتغير معه الموضوع، مع تدخل بسيط من السائق/ بناهي الذي يحاول دائماً أن يترك المساحة لزبائنه كي يتحدثوا.

كل الحوارات تلتقي في انتقاد الواقع الإيراني، والتضييق على الحريات، ووضعية المرأة في البلاد. وهي مواضيع عمل عليها المخرج سابقاً في أفلامه، مثل "حالة تسلل" الذي عالج فيه قصة فتيات مولعات بكرة القدم اضطررن لدخول ملعب آزادي متنكرات. كما تناول في فيلمه "قيود" معاناة المرأة داخل إيران ونضالها من أجل نيل حقوقها.

لكن في عمله الأخير، نجد مزيجاً من أفكار المخرج المعارضة، إذ يعالج في فضاء التاكسي الضيّق قضايا أكبر، ويؤكد للجميع أن للسينما طرقها للتعبير والعبور بالأحلام مهما أحاطت بها القيود.

فكرة سائق التاكسي بالنسبة إلى تجربة بناهي كانت مثمرة، فهناك أسئلة كثيرة تتحرك داخل السيارة، يتغير الركاب وتتغير القضايا والمواقف حول الواقع الإيراني. تتحدث امرأة مع شاب يجلس في المقعد الأمامي عن عقوبة الإعدام في إيران، فتتعارض مواقفهما، لتخبر المرأة الشاب، الذي يرى في العقوبة ردعاً للمجرمين، أن إيران تأتي بعد الصين في تطبيق عقوبة الإعدام.

تصعد طفلة هذه المرة، وهي ابنة شقيقة بناهي، وتخبره أن مدرّستها طلبت منها صنع فيلم بكاميرا صغيرة، مع التقيد بشروط الرقابة في إيران، وهنا يأتي الدور على ذكر حرية التعبير في إيران.

يترك بناهي الركاب يتحكمون في سير الحوار، كما يترك لهم اختيار وجهات رحلتهم. يقدّم آراءه بابتسامة تارة وبسخرية تارة أخرى. وقد برع في التعامل مع العقوبة المفروضة عليه، إذ إنه استغنى عن شريط أسماء العاملين في نهاية الفيلم، في محاولة منه لإلغاء أي دليل يربط الفيلم بصانعه.

لا شك أن تتويج فيلم "تاكسي" بجائزة "الدب الذهبي" لم يكن عن مضمونه الفني فقط، فالعمل جاء مصحوباً بدعم إعلامي لم تحظ به الأفلام التي نافسته. إذ يمكننا استحضار تردّد اسم المخرج كثيراً في أروقة "مهرجان برلين" تحديداً، ودعمه في محنته مع السلطات الإيرانية، وأيضاً اختياره عضواً في لجنة تحكيم المهرجان سنة 2012، وترْكِ مقعده شاغراً بين أعضاء اللجنة تضامناً معه بعد منعه من السفر.

قضية بناهي ونضاله من أجل السينما نفسها كان وما زال موضوعاً يتحرك باستمرار في المهرجانات الثلاثة الكبرى. إضافة إلى أن "مهرجان برلين" لا يخفي انحيازه لمواضيع الاضطهاد والسياسة، وفق منظوره الأوروبي طبعاً.

المساهمون