عندما تسير في شوارع طهران وأسواقها، وتسأل الإيرانيين عن مشكلاتهم، فإن الجواب الأول هو قطعاً: "بيكاري"، أي "من دون عمل" بالفارسية، أو ما يسمّى اصطلاحاً بـ"البطالة".
ويقول معظمهم: "في بلدنا العديد من الإمكانيات. فلمَ يعاني شبابنا من أصحاب الكفاءات من عدم إيجاد فرص عمل؟". والبطالة أثقلت بالفعل كاهل المجتمع الإيراني، وهي في مقدمة المشكلات الاجتماعية، يضاف إليها الفقر والإدمان والطلاق.
يبلغ عدد سكان إيران نحو 76 مليون نسمة، ثلاثة ملايين و300 ألف منهم يعانون البطالة وفق الإحصاءات الأخيرة، التي نشرها المركز الوطني للإحصاء خلال العام الماضي. وتصل نسبة البطالة بين الإناث القادرات على العمل 18.7%، وبين الذكور 8.8%، فيما تصل نسبتها بين الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً إلى 23%. وهي نسبة ليست بمنخفضة على الإطلاق في بلد يشكل فيه الشباب ربع الهرم السكاني.
وأرق البطالة يصيب من يعاني منها، وكذلك من يتوقع أن يصبح عاطلاً من العمل قريباً. وهذا ما يدركه الإيرانيون شعباً وحكومة. فرئيس البلاد حسن روحاني، كان خرج أمام مجلس الشورى الإسلامي ليعرض أرقاماً مخيفة تَوصّل إليها فريقه من المستشارين. وتشير الأرقام إلى أن الجامعات ستخرّج شباناً وشابات لا تتوافر لهم فرص عمل، خلال السنوات الأربع المقبلة. وسيصل عددهم إلى خمسة ملايين نسمة، وهذا يعني تضاعف عدد العاطلين من العمل.
في زيارة لجامعة طهران وهي الجامعة الإيرانية الأبرز، يلاحَظ عدد كبير من الشباب الذي يملك أحلاماً وكثيراً من الأمل. لكن الواقع المرير يقض مضجعه.
فالشبان يُضطرون إلى أداء الخدمة العسكرية الإلزامية بعد التخرّج مباشرة. وبهذا يكونون قد أمضوا سنتَين بعيداً عن مقاعد الدراسة وكذلك عن الفرص التي قد تتوافر لهم. وعندما ينهون خدمتهم ويحين وقت البحث عن عمل، تبدو الصعوبات حينها أكثر واقعية. أما الشابات فيواجهن الواقع نفسه، ولكن مبكراً.
واليوم، بدأت تنتشر في طهران مكاتب التوظيف المرتبطة عادة بالقطاع الخاص. وقد أصبحت هذه المكاتب خياراً يقبل عليه الشباب من الجنسَين، إذ إنها قادرة على توجيههم نحو ما يريدون في حال وجد. فتزدحم هذه المكاتب منذ ساعات الصباح الباكر، ومعظم قاصديها من أصحاب الشهادات الجامعية العليا الذين يشتكون من عدم وجود فرص عمل تحقق لهم طموحهم. وإن وجد أحدهم فرصة ما، فغالباً ما تكون في الأعمال الحرة.
بالتالي يتجه المتخصصون في الهندسة والآداب والذين قد يكونون نخبة المجتمع، إلى طرق أبواب مكاتب التوظيف، أو يبدأون العمل في مهن أخرى كالتجارة.
ومع تناقص أعداد الفاعلين في المجتمع، ازداد التأثير السلبي على كل القطاعات التي قلّ الإنتاج فيها. والأثر النفسي الذي تسببه البطالة، ولا سيما للشباب من حاملي الشهادات العليا، كبير جداً.
لطالما حذّر خبراء ومتخصصون في علم الاجتماع من التبعات الخطيرة لهذا الموضوع. فالبطالة التي تطال أصحاب الكفاءات، تزيد من السعي نحو الهجرة. وهذا يعني أن تفقد إيران نخبتها.
كذلك فإنها تؤدي إلى مشكلات أخرى كالإدمان على المخدرات. وهي الظاهرة التي يحاول المعنيون في إيران مكافحتها كونها انتشرت بشكل واسع.
والتراجع على صعيد إيجاد فرص عمل يعود إلى مشكلات معيشية واقتصادية يعيش الإيرانيون تفاصيلها، منذ تشديد العقوبات عليهم بسبب البرنامج النووي. فقد أدت تلك العقوبات إلى إرهاق أصحاب المشاريع الصغيرة، الذين اضطروا إلى صرف العاملين لديهم وإغلاق مشاريعهم.
ففي عام 2010 وحده، تحولت خُمس الأسر الإيرانية إلى عائلات بلا معيل. وفي عام 2012، فُقدت 800 ألف فرصة عمل، وفق تقرير نشره البنك المركزي الإيراني أخيراً.
وقد تحدثت الحكومة عن ضرورة تطوير القطاع الخاص والإنتاج المحلي، إذ يساعد على إيجاد فرص عمل للشباب خصوصاً. لكن هذا يشكل تحدياً كبيراً، كون الوضع الداخلي يعتمد على حلحلة مشكلات البلاد الأخرى مع الخارج.
وحل مشكلة البطالة غير ممكن من دون برامج متقدمة تتحمل الحكومة مسؤوليتها بالدرجة الأولى، إلى حين إنعاش الوضع في الداخل. وهو ما سيحيي مشاريع أصحاب رؤوس الأموال من المواطنين أنفسهم، وسيزيد بالتالي من فرص العمل.