"بلطجة" في بلد المليون شاعر

12 ديسمبر 2015
الفقر يؤدي إلى الإجرام (جورج غوبيت/فرانس برس)
+ الخط -

تتعدّد أساليب "البلطجة" في موريتانيا. وإنّه لأمر عادي أن يلجأ البعض للدفع لأشخاص من أجل مهاجمة منافسيهم والاعتداء عليهم وتهديدهم وتحطيم معنوياتهم في الاجتماعات الرسمية. ففي بلد المليون شاعر، للقصائد دور أساسي في تمجيد انتصارات القبائل، وعادة ما يكون وقعها كبيراً على الشخص أو منافسه، وخصوصاً إذا صودف أن الشخصين ينتميان إلى قبيلتين سبق أن تصارعتا في الماضي.

ولا تقتصر "البلطجة" على الرجال الأشداء، بل ترتبط أكثر بـ "سليطي اللسان". كذلك، للنساء دورهن في البلطجة داخل المجالس النسائية، من خلال إلقاء القصائد المدحية والتهديد بتشويه السمعة. ويلجأ البعض إلى الفنانين الشعبيين، لإدخال أبيات شعر في أغنياتهم تحتوي على أسمائهم أو شهرتهم، بهدف التطبيل لهم في المهرجانات الشعبية واللقاءات الرسمية، أو انتظار منافسيهم أمام القاعات أو داخل المؤتمرات للتأثير على معنوياتهم.

تصفية حسابات

يعمل البلطجية في موريتانيا في ميادين مختلفة، ويتركز عمل غالبيتهم في الدفاع عن العاملين في التجارة والسياسة وحراسة الأحياء الفقيرة. ويختلف عملهم بحسب طبيعة كل منهم. على سبيل المثال، تحول البعض إلى مجرمين خطرين يروعون الآمنين لأتفه الأسباب، ويفرضون إتاوات على الناس. فيما يعمل آخرون كأجراء لكلّ من يريد تصفية حسابات مع غريمه، وذلك من خلال استئجار هؤلاء البلطجية للاعتداء على شخص أو تهديده، في وقت يرفض آخرون هذا العمل على الرغم من قدراتهم الجسدية، ويعملون حراساً لحماية الأحياء الفقيرة التي يعيشون فيها، والانتصار للمظلوم واسترجاع حقه.

وأدّى انتشار الجرائم في المجتمع الموريتاني بشكل كبير، نتيجة التحوّلات الاجتماعية والظروف الاقتصادية وزيادة نسبة السكان، إلى زيادة أعداد البلطجية نتيجة ارتفاع الطلب عليهم. وتجدر الإشارة إلى أنه بات لهم أماكن وأسواق يتجولون فيها بحثاً عن زبائن يريدون الانتقام من شخص أو تهديده أو استرجاع شيء منه.

واستقطبت ممارسات البلطجية الشباب العاطلين عن العمل، لينضموا إلى اللصوص والمنحرفين والمشردين والمجرمين، وقد احترفوا أعمال البلطجة. في هذا السياق، يؤكّد الباحثون أن الفقر والبطالة والأمية والتفكك الأسري وتقاعس السلطات، جميعها عوامل أدت إلى تحول العاطلين عن العمل إلى جزء من عالم الإجرام. ويرى الباحث سيد أحمد ولد الناجي أن البلطجة ازدهرت خلال السنوات الأخيرة، بعدما استعان رجال الأمن بأشخاص لمهاجمة المتظاهرين والثوار الذين كانوا يطالبون باسقاط الحكم، وبات كثيرون يلجؤون إلى هذا الأسلوب لتصفية حساباتهم مع خصومهم أو إغاظة منافسيهم.

يضيف ولد الناجي أنه في أحيان كثيرة، يلجأ بعض الذين يمارسون البلطجة إلى مهاجمة أشخاص والتحرش بهم وإيذائهم لفظياً، طمعاً في الحصول على المال من غريمهم، وقد أصبح لزاماً عليه الدفع لهم، ما يشجع غيرهم على احتراف البلطجة والتعرض للغير وتشويه سمعتهم من خلال إطلاق شائعات لا أساس لها من الصحة.

شائعات

في السياق، يقول بمبه ناني (33 عاماً)، الذي كان قد احترف أعمال البلطجة في السابق، قبل أن يتوقف بعد سجنه مرتين، ويصبح حارساً للعقارات والسيارات، إن للبلطجة سوقاً رائجاً هذه الأيام بسبب تنامي العنف والإجرام داخل المجتمع، وتغيّر سلوك الفرد، وخصوصاً في الأحياء العشوائية التي تنتشر فيها الممارسات الخارجة عن القانون. يضيف أن "البلطجية يفضلون هذه الأحياء التي يبسطون عليها سيطرتهم بسبب صعوبة ضبطها أمنياً. هناك، ينشؤون عالمهم الخاص ويفرضون قوانينهم على الناس ويتحكمون بهم". يتابع أن البلطجية يقومون بأعمال عدة خلال فترة الانتخابات، من خلال حث الناس على التصويت لهم، ومنع منافسيهم من خوض الحملة الانتخابية بهدوء.

ويشير ناني إلى أنهم في بعض الأحيان، يستردّون أموال وديون وبضائع التجار من المواطنين، من خلال إرغامهم على توقيع شيكات ووصلات أمانة وتسليم النقود للتجار وسحب المشتريات والأشياء الثمينة منهم. فيما يختار آخرون أعمالاً أكثر خطورة، كإطلاق الشائعات أو الإيذاء خلال اللقاءات الرسمية لتصفية الحسابات بين بعض المتنافسين.
وتهدد جرائم البلطجية بنية الأسرة والمجتمع في موريتانيا، نظراً لعواقبها الوخيمة، وتأثيرها على سلوك الفرد، وكثيراً ما يلجأ الناس إلى أعمال البلطجة بهدف الانتقام من أعدائهم.

اقرأ أيضاً: "هو" لقب جميع الأزواج في موريتانيا