بين مجلة "بانيبال" وزكريا تامر ارتباط قديم، فقد نشرت المجلة منذ عددها الأوّل قصة للكاتب السوري، كما نشرت له العديد من الأعمال في أعداد لاحقة. في العدد 53، تقدّم للقراء ملفاً خاصاً بعنوان "زكريا تامر والقصة القصيرة"، وهو الملف الأوسع والأشمل الذي تخصّصه المجلة حتى الآن لمؤلف واحد.
تميّز أدب تامر أسلوبياً وعلى مستوى المضامين، وكانت السخرية والفكاهة السوداء سمات نجح في توظيفها ضمن جنس القصة القصيرة. كتابات صاحب مجموعة "الحصرم" تدحض كلّ صورة نمطيّة يحملها الغرب عن العالم العربيّ، وربما لذلك لم يحقّق شعبيّةً ضمن الاتجاه العامّ للناشرين الأنغلوفونيين، إذ لم تصل من أعماله إلى اللغة الإنجليزية سوى مجموعتين قصصيّتين صغيرتين، ومثل ذلك باللغة الألمانيّة.
من هنا، يحاول الملف من خلال المترجمين والكتّاب الذين ساهموا فيه، تدارك غياب تامر عن ما تُرجم من الأدب العربي إلى لغات أخرى، لنجد 16 قصة قصيرة مأخوذة من مجموعات قصصيّة عدة للكاتب، كما نجد ترجمة لبعض من أعماله الأخيرة منها ما نشر في الصحف اليومية سنة 2014 وبعضها مأخوذة من صفحته الخاصّة على الفيسبوك.
كما نجد 13 قصة للأطفال من مجموعته القصصيّة "لماذا سكت النهر؟" برسومات نفّذتها أبيغايل أوبراين، مع مقالات عن أعماله المترجمة إلى الإنجليزية والألمانية والصربية.
وتقول مارغريت أوبناك، ناشرة المجلة، في افتتاحية العدد: "نتج العمل في عدد "بانيبال" لهذا الصّيف عن حبّ، بتركيزه على الكاتب السوريّ زكريّا تامر وقصصه القصيرة. فهذا الوقت، حيث يشهد العالم العربيّ حالة من الغليان والاضطراب الكبيرين (ولو أن بعضنا يتساءل إن كان الحال غير ذلك في أي وقت مضى)، هو الوقت المناسب للالتفات إلى تامر، وهو الذي قدّم الكثير في مسعاه لتحقيق حرية التعبير، وحقوق الإنسان والحريّة، من خلال كتاباته الملهمة والفريدة".
حرص مترجمو تامر إلى الألمانيّة والتركيّة والصربيّة والسردينيّة والإنجليزية، وزملاؤه من الكتّاب والنقاد العرب، على الإسهام في هذا التكريم. سربكو ليشتاريتش، الذي قام بترجمة تسع مجموعات قصصية إلى الصربيّة، كتب عن النصل الحادّ لسخرية تامر التي "تشطر واقعنا القاسي إلى اثنين" وكيف أنّ "جمله سريعة وصافية مثل الدموع".
أمّا أليساندرو كولومبو فيروي أن أعمال تامر "تجعل منه رفيقاً أدبياً مثالياً للراغبين في اكتشاف سورية"، وأنّه قام بترجمة المجموعة القصصية "تكسير ركب" إلى لغته السردينيّة، وهو أوّل عمل أدبيّ عربيّ يُترجم إلى هذه اللغة.
محمود شقير، فاضل العزاوي، وإسماعيل فهد اسماعيل يتذكّرون لقاءاتهم بتامر في السنوات المبكرة. هارتموت فيندريش، دينيس جونسون ديفيز، بول ستاركي، محمد حقي صوتشين، سوزانا طربوش وفولكر كامنسكي يكتبون عن ترجمة ونشر تامر بالألمانيّة والإنجليزية والتركيّة على التوالي.
ويكتب الناقدان الأدبيان صبحي حديدي وعبده وازن عن اختلاف تامر عن غيره من كتاب القصّة القصيرة، واصفين إياه بـ"المنشق" و"غير التقليدي" وبكونه مبدعاً "لمسرح من الأخيلة والظلال والوجوه".
ويتضمن ملف "بانيبال" ترجمة لمقابلة مطوّلة مع تامر، كانت أجرتها الناقدة السورية ديمة الشكر للملحق الثقافي في جريدة العربي الجديد، وفيها بتحدث الكاتب عن طفولته وبداياته الأدبية، وكيف اختار في العام 1958 أن يكتب القصة القصيرة على الرغم من "الرعب الحقيقي من كتابة القصّة القصيرة، التي هي أصعب نوع من أنواع التعبير الأدبي"، انتهاء بكتابه الأخير وهو عبارة عن سلسلة مقالات "مكرّسة لهجاء الطغيان والطغاة".
كما نجد في العدد الجديد فصلاً من رواية "الكافرة" للكاتب العراقي علي بدر، ومقطعاً من رواية "جيحم الراهب" لمواطنه شاكر نوري، إضافة إلى قصائد للشاعرين اللبنانيين شربل داغر وجودت فخر الدين، ومراجعات نقدية لعدد من الروايات العربية المترجمة إلى الإنجليزية.