استطاع المخرج الجزائري السويسري كريم صياد (1984)، أن يلفت أنظار النقّاد إليه في مختلف المهرجانات التي عرض فيها فيلمه الأول "بابور كازانوفا" (2015)، ناهيك عن عدد المشاركات والإشادات التي نالها في لوكارنو وفلورنسا ولشبونة وقرطاج والجزائر.
يتتبّع المخرج المولود في لوزان السويسرية الحياة اليومية لشاب يقضي حياته في تشجيع نادي "مولودية الجزائر" لكرة القدم، الملقّب بـ"العميد". وفي السياق نفسه، يهدي صياد فيلمه إلى جليل باليرمو، الموسيقي العاشق لـ"نادي المولودية"، والذي كتب لفريقه رسائل وأغان من سجنه.
يبدأ الفيلم الوثائقي القصير وبطلاه عدلان جميل وصديقه زكي مبارك يديران ظهريهما إلى الكاميرا ويغنّيان للبحر عن المركب الذي لا بد أن يأتي يوماً ويقلّهما بعيداً عن هذه البلاد (اسم الأغنية "بابور كازانوفا").
منذ اللقطة الأولى، يكشف الفيلم عن بؤس الواقع خلف ظهر الشابين اللذين لم يتجاوز عمراهما التاسعة عشرة. تأخذنا الكامير لنتعرّف بشكل تدريجي على حياة عدلان وصديقه زكي الذي يناديه بـ"الإرهابي".
تسير أحداث الشريط في فضاءات الشخصية المحورية، بإيقاع يمتاز بشعرية عالية تخلقها، من جهة، جماليات الصورة ودقّة أبعاد الكوادر، إضافة الى حركة الكاميرا الهادئة، يقابلها في الجهة الثانية الصخب وأغانٍ وحماسة وفرادة شخصيتي البطل ورفيقه.
من الشوارع والأرصفة التي يقضيان فيها معظم أوقاتهما، مروراً إلى الشرفات العالية التي تجعل المتلقّي يتأمّل طويلاً في حيوات الآلاف خلف صورة عامة لا يعطيها الشابان الكثير من الأهمية، وصولاً الى الملاعب والمدرّجات التي تكاد تختنق بالمشجّعين؛ نتلمّس فلسفة خاصة لهؤلاء الشبّان تجعلهم يميلون إلى الشعور بالأمان والراحة بين الحشود والمجاميع أمام قلق لامتناهٍ ورغبة عارمة في الرحيل خلال المواقف التي تخلو من ضجيج الناس.
يحصل الصديقان على بعض النقود من عملهما في تأمين مواقف غير قانونية للسيارات تارة، أو من خلال بيع الحبوب المخدّرة تارة أخرى. التواريخ المهمة في حياتيهما مرتبطة ومتشابكة بتاريخ هذا النادي؛ فقد كبرا معه وشاركاه الفرح وحزنا على لاعبين تركوه أو تخلّى عنهم. لا شيء يربطهما بهذه البلاد سوى حبّهما لهذا النادي.
نتيجةً لأعمال الشغب، سيُحرم جمهور الفريق من الدخول إلى الملعب، فيصعدون البنايات وتلال المدينة لمتابعة المباراة من بعيد وتشجيع فريقهم. من لقطة بعيدة وبانورامية، نشاهد الملعب الملاصق للبحر وعدلان وسط آلاف الشبان يشجّعون فريقهم ويهتفون له من على بعد مئات الأمتار.
يظهر الملعب وكأنه جزيرة تجلب السعادة الوحيدة لهؤلاء الشبّان، قبل أن يتركوا هذه البلاد التي لا يعرف حكّامها، كما يقول عدلان، "سوء بناء السجون، السجون فقط، لذلك سأغادر إلى أوروبا".
اقرأ أيضاً: حسن فرحاني: جائزة لكاميرا شاعرية في المسالخ