"الوفاق" الليبية تستعد لمعركة جديدة جنوب طرابلس بعد مبادرة السراج

17 يونيو 2019
تفقد قوات حفتر المبادرة للهجوم(Getty)
+ الخط -
في وقت تشهد محاور القتال جنوب العاصمة الليبية طرابلس هدوءاً حذراً منذ يومين، تستعد قوات حكومة "الوفاق" لإطلاق حملة عسكرية جديدة تستهدف مواقع مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في المنطقة، وذلك بعد ساعات من إطلاق رئيسها، فايز السراج، مبادرة للحل السياسي في البلاد.

وبحسب دبلوماسي ليبي رفيع مقرب من وزارة خارجية "الوفاق"، فإن "الوفاق" أبلغت الأمم المتحدة وأطرافاً تملك تأثيراً على الواقع الليبي، بأن مبادرة السراج منفصلة عن الميدان، بل تحمل حلولاً شاملة للأزمة السياسية"، مؤكداً أن "الوفاق" أبلغت سفراء عواصم كبرى أن "قواتها ماضية في قتالها من أجل الدفاع عن العاصمة".

وأكد الدبلوماسي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة شرحت للسفراء كيف أن "إرغام حفتر على التراجع بقوة السلاح، يصب في إطار مشروع مدنية الدولة ومقاومة محاولات الانقلاب العسكري على المسارات السياسية".

ودللت الحكومة على مساعيها بأن "حفتر لن يقبل بأي تفاوض سياسي، ما يؤكد أن محاولة اقتحام العاصمة هي مشروع انقلاب عسكري"، مطالبة سفراء تلك الدول بممارسة الضغوط على اللواء المتقاعد لثنيه عن مساعيه، وإجباره على التراجع حقناً للدماء.

من جهته، أشار المتحدث باسم عملية "بركان الغضب" التابعة لـ"الوفاق"، مصطفى المجعي، إلى إمكانية إطلاق حملة عسكرية واسعة على مواقع قوات حفتر "في أي وقت"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "تقدير توقيت المعركة المقبلة متروك لأمراء المحاور، لكن ما أستطيع تأكيده هو أن أوضاع قوات حفتر ليست كما يسوق لها قادتها، وأن هذه القوات فقدت المبادرة للهجوم، وتتخذ اليوم موقف الدفاع عن مواقعها فقط".

وعن موقف قادة الفصائل المشكّلة لقوات الحكومة من مبادرة السراج، شدد المجعي على أن "هذا شأن سياسي، ومن المهم أن نقول للعالم إننا حققنا لهم ما طلبوا من تنازلات، لكن قبولنا بالتفاوض السياسي لن يكون قبل انسحاب حفتر وقواته بعيداً عن طرابلس، بل عن الغرب الليبي برمته".


ولقيت المبادرة التي أطلقها السراج أمس الأحد لحل الأزمة الليبية، بالدعوة لعقد ملتقى ليبي بالتنسيق مع البعثة الأممية، وبتمثيل جميع مكونات الشعب الليبي والمناطق، يتم الاتفاق خلاله على القاعدة الدستورية المناسبة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة قبل نهاية العام الحالي، ردود فعل متباينة، غلب عليها الرفض المحلي من جانب الموالين لحفتر، رغم أن الأخير لم يعلن رسمياً حتى الآن موقفه منها.

من جهته، رأى مصباح الحاسي، الناشط السياسي من بنغازي، في مبادرة السراج "تسجيل موقف فقط، من دون تقديم حلول حقيقية"، مذكراً بأن هذه المبادرة تجاوزت الحديث بشكل مباشر عن الحرب في طرابلس.

وقال الحاسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المكتب الإعلامي للسراج كان يتحدث قبل ساعات فقط من الإعلان عن المبادرة، عن لقاء موسع جمعه بقادة محاور القتال، وعن إطلاق مرحلة عسكرية جديدة وبدء توزيع السلاح والعتاد، ما يشير إلى أن الرجل ليس جدياً في البحث عن حلول".

ورجح الحاسي أن تكون مبادرة السراج، بحديثها عن ضرورة حضور المجتمع الدولي ومجلس الأمن، إشارة إلى "الاستغاثة بهما ومحاولة لفك الحصار الذي يخنقه من قبل قوات حفتر، وذلك من خلال اللعب على وتر الحل السياسي"، لافتاً إلى أن عدم صدور موقف من قبل حفتر حتى الآن "يعني أنه تجاهل المبادرة، والمعنى أنه يرفضها تماماً، ولا مجال للحل سوى الحسم العسكري".

لكن لعبد الرحيم بشير، مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية السياسية (أهلي)، وجهة نظر مختلفة من المبادرة، إذ رأى فيها "محاولة لإنقاذ فعلي للأوضاع في البلاد، وتحديداً في جنوب طرابلس".

واعتبر بشير، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المبادرة تعيد الدور للبعثة الأممية التي لا تزال تملك قدراً من الثقة والحياد، يجعلها قادرة على الاضطلاع بهذه المهمة"، مرجحاً أن "يماطل حفتر كعادته في القبول بأي حلول، رغم أنه سيعود إلى طاولة الحوار في النهاية، خاصة أن أوضاعه الحالية تؤكد تورطه في حرب خاسرة".

ولفت بشير من جهة أخرى، إلى تصلبٍ في موقف الحكومة، إذ "بعد الإعلان عن المبادرة، أكد السراج لوكالة رويترز رفضه حفتر كشريك سياسي". وفي هذا الشأن، اعتبر بشير أن هذا التصريح غير مقبول، متسائلاً: "من سيحاور السراج، وهو يعلم أن حفتر كتم على أنفاس الجميع في الشرق والجنوب"، معتبراً أن "موقف السراج سيظهره في موقع متناقض أمام الرأي العام".

وأعرب المحلل السياسي عن اعتقاده أن "عدم اتفاق السراج مع بعض من قادة قواته، جعله يرتبك ويتراجع أكثر من مرة عن تصريحات، من ضمنها رغبته في التحاور مع حفتر مجدداً".

رغم ذلك، رأى بشير أن حكومة الوفاق "تمكنت من تسجيل موقف سياسي مقبول، ووضعت الكرة في ملعب حفتر الذي لن تتركه الدول الداعمة له يخسر سياسياً، كما خسر عسكرياً"، مرجحاً أن يحاول حفتر "تجاهل المبادرة، لكنه سيبادر بالتأكيد إلى تقديم طرحٍ سياسي من طرفه".

وعلى عكس ما يرى موالون لحفتر بأن رئيس البعثة الأممية غسان سلامة يميل في مواقفه لصالح حكومة "الوفاق"، أكد بشير أن "مجيء سلامة في هذا التوقيت الحرج بالنسبة لحفتر لا يعكس سوى اتجاه لإنقاذ الأخير من ورطته العسكرية، من دون أن ننسى الصلات الجيدة التي تربط أبو ظبي بسلامة".​



وفيما رحبت البعثة الأممية والاتحاد الأوروبي، بالمبادرة، أعربت جهات سياسية موالية لحفتر عن رفضها لها.

وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قال المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس النواب في طبرق، فتحي المريمي، إن "مجلس النواب لا يرى أن المبادرة تحمل حلولاً"، معتبراً أن "وقت المساومات والحلول السياسية قد مضى، ولا جدوى الآن أمام المليشيات في طرابلس سوى التسليم للجيش والنجاة بأنفسهم". واستبعد المريمي إمكانية أن يعقد "نواب" طبرق جلسة لمناقشة المبادرة.

كما أكد عضو مجلس النواب المنعقد بطبرق، علي السعيدي، أن قوات حفتر "لن تتراجع في معركة طرابلس"، واصفاً مبادرة السراج بـ"خطبة الوداع"، بل معتبراً أن "الأخير لم يعد يملك أي أوراق قوة، وهو خاسر عسكرياً في طرابلس".

داخليا كذلك، أكدت اللجنة التأسيسية للهيئة البرقاوية عن دعمها الكامل للمبادرة، مشددة على "ضرورة الجلوس إلى طاولة حوار تتسع للجميع بعيداً عن أصوات المدافع والبنادق والمشاريع الشخصية".

خارجياً، اعتبرت البعثة الأممية أن المبادرة الحكومية جاءت في "توقيت مناسب"، مؤكدة "مساعيها مع كل الأطراف في سبيل مساعدة ليبيا على الخروج من مرحلتها الانتقالية الطويلة نحو مرحلة السلام والاستقرار والازدهار"، فيما اعتبرها الاتحاد الأوروبي "خطوة بناءة لدفع العملية السياسية في البلاد"، مطالباً الأطراف الأخرى بتقديم تنازلات ومبادرات من أجل تقريب الحل.

وفي روما، أكد وزير الخارجية الإيطالي، إينزو مورافي ميلانيزي، دعم بلاده للمبادرة، مشدداً على ضرورة "استئناف العملية السياسية ووقف القتال الدائر جنوب العاصمة طرابلس".