لا تزال تصريحات زعيم حزب "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، بأن انتصار الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية يضع حداً لحل الدولتين، تعبّر عن قناعة عامة لدى اليمين الصهيوني عموماً وممثلي المستوطنين خصوصاً. لكن رياح التحقيقات الجارية مع رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بتهمة تلقي هدايا بشكل غير قانوني، من جهة، والشروع بإبرام صفقة مقايضة غير مشروعة مع ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أرنون موزيس، بدأت تضيّق الخناق على حكومة نتنياهو، وباتت أوساط إسرائيلية ترى أن عهد الأخير على وشك الانتهاء.
وفي هذا السياق، أشار محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتير، إلى أن اليمين المدافع عن الاستيطان يصر على الموقف الذي أعلن عنه بينيت لأسباب تتصل بتوقعات هذين اليومين من نتنياهو في ما تبقى له من وقت في الحكم، في حال صدقت التقديرات الرائجة في الأوساط الحزبية الإسرائيلية من احتمال إجراء الانتخابات العامة في سبتمبر/أيلول المقبل.
وذكر فيرتير أن اليمين نفسه بات يقرّ بأن أيام حكومة "الليكود – البيت اليهودي" على وشك الانتهاء، وبالتالي لا بد من تكريس إنجازات لصالح المشروع الاستيطاني، قبل أن تختلف طبيعة المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي. من هنا يطالب اليمين، والذي يخشى من حكومة مقبلة قد تكون أقل تشدداً في مواقفها اليمينية، نتنياهو بأن يترك وراءه "وديعة" أو ميراثاً استيطانياً لا يمكن لحكومة مقبلة أن تنقضه أو على الأقل أن تتجاهله. وهذا المطلب يتعلق بضم مستوطنة معاليه أدوميم وما حولها من مستوطنات صغيرة على طريق أريحا، وضم المناطق "C" التي تشكل نحو 60 بالمائة من أراضي الضفة الغربية المحتلة، لإسرائيل، وتطبيق القانون الإسرائيلي فيها. والمطالب تشمل أيضاً تمرير وإنهاء تشريع قانون "تبييض المستوطنات" في الضفة الغربية، بما في ذلك البند الخاص بتطبيق القانون بأثر رجعي على مستوطنة عامونا المبنية على أراضٍ فلسطينية خاصة فوق خربة المزرعة التابعة لقرى سلواد والطيبة وعين يبرود، شرقي رام الله، أو في المقابل تشريع قانون فرض السيادة الإسرائيلية كاملة على ما يسمى بالقدس الكبرى الموحدة، والتي تشمل أيضاً مستوطنات غوش عتصيون، ومستوطنات بسجغات زئف وغفعات زئيف ورامات شلومو وبيتار عيليت.
في المقابل لا يبدي نتنياهو، على الأقل في المرحلة الحالية، أي ميل للسير بهذا الاتجاه، وعلى الأقل ليس قبل لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. كما أن رئيس حكومة الاحتلال منهمك حالياً في صد الانتقادات المواجهة له والمطالبة باستقالته على خلفية الشبهات في ملفي الفساد. مع ذلك، حرص نتنياهو بالتعاون مع وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، على الإعلان عن الموافقة على بناء وتسويق 2500 وحدة سكنية داخل الكتل الاستيطانية الكبيرة، كرسالة لأنصاره في اليمين العلماني، بأنه هو من يرعى الاستيطان أكثر من أي حكومة أخرى، خلافاً لاتهامات "البيت اليهودي" له. وهناك رسالة ثانية أراد نتنياهو توجيهها مفادها بأن أي مشاريع استيطانية مستقبلية يجب أن تكون بالتنسيق مع إدارة ترامب، وأنه يجب الامتناع عن أي خطوات من دون مثل هذا التنسيق، في رد واضح وأولي من نتنياهو على مزايدات بينيت عليه.
ويحاول نتنياهو تبرئة نفسه وتحويل التحقيقات التي يخضع لها إلى جزء من محاولة اليسار لتنفيذ انقلاب ضد حكومة منتخبة، من خلال الإعلام، ومن خلال حديث نتنياهو عن ضغوط لا عليه وحسب وإنما أيضاً على المستشار القضائي للحكومة وعلى الشرطة الإسرائيلية، علماً بأن إحدى المفارقات الرئيسية في هذا السياق تتمثل في أن نتنياهو هو من عيّن كلاً من المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، المعروف بمواقفه اليمينية، وأيضاً هو من عيّن المفتش العام للشرطة، روني الشيخ، والذي جاء به نتنياهو من جهاز "الشاباك"، مما يعني أنه لن يكون بمقدوره الادعاء بأنهما شريكان في المؤامرة.