"الهجمة المرتدة" على داعش

11 مارس 2015
كان اجتياح المحاكاة الساخرة لنشيد صليل الصوارم عارماً (Getty)
+ الخط -

حل نشيد "صليل الصوارم" الجهادي، ضيفا على الآلاف من أجهزة الحاسوب العربية خلال الأسابيع الماضية، ولكنه لم يلعب دوره المعتاد كعامل محمس على الجهاد، ولكن كخلفية لفيديوهات كوميدية وراقصة، قام شبان مصريون وعرب باستخدامها مع النشيد، الذي ينسبه البعض لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، في حملة كثيفة للسخرية منه.

وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى موقع اليوتيوب، خلال الأسبوعين الماضيين، عشرات من الفيديوهات القصيرة التي تتضمن مقاطع تمثيلية وغنائية من أفلام مصرية، ومقاطع ممثلة خصيصا، تقدم عالما ضاحكا مبنيا على أنقاض الرسالة الأصلية المفترضة لنشيد "صليل الصوارم".


تحويل الرسالة

بدلا من رسالة الرعب والحماس للموت، أدخل هواة المونتاج الفنان أحمد حلمي و"اللمبي" (الشخصية الكوميدية التي اشتهر بها الفنان المصري "محمد سعد")، ومشاهد كوميدية عديدة كخلفية للنشيد، وقاموا في أغلب النسخ بإدخال موسيقى راقصة مصاحبة للنشيد، جعلته إيقاعا لرقص احتفالي يهدف للضحك قبل أي شيء آخر.

تحولت الرسالة إلى شفرة للضحك، وبدأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي في البحث عن الفيديوهات المحدثة من النشيد، تحت وسم "#صليل الصوارم_النسخة الشعبية" وغيره، وتسابق الشبان للسخرية من النشيد عبر الإمعان في تحويره.

هل كان هؤلاء الشبان يدرسون علم النفس، عندما قاموا بهذه الهجمة المضادة التي استهدفت على ما يبدو، مواجهة سياسة التخويف والترهيب التي تتبعها تنظيمات إسلامية مختلفة في العراق وسورية وليبيا، على رأسها "داعش".

هل سعت التقديمات الساخرة لنشيد "صليل الصورام"، إلى إحداث أثر موازن للرعب الذي حاولت "داعش" ومن لف لفها بثه من خلال فيديوهات، مثل حرق الطيار الأردني "الكساسبة" وقتل العمال المصريين في ليبيا.

ربما كان بعض المشاركين في الحملة الساخرة على وعي بذلك، لكن أغلبهم لم يكن يعرف أن دور المقاطع الساخرة التي يعدها، كان أقوى من مجرد بث ابتسامة على وجوه متابعيه.

فهذه الحملة تلعب دورا في تفكيك الصورة المرعبة لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" التي ساهمت في هروب آلاف الجنود العراقيين، أمام هجماته وآلاف العمال المصريين من ليبيا؛ وتقديمها في إطار كاريكاتيري يجعل مجرد ذكرها أمرا مثيرا للسخرية.

وعلى قدر ما كانت فيديوهات القتل مثيرة لرفض عارم، كان اجتياح المحاكاة الساخرة لها ولنشيد صليل الصوارم عارما.

فعلى سبيل المثال، قدم شابان مصريان محاكاة ساخرة لاعتراف شخص تحت أيدي المنظمات الجهادية قبل إعدامه، ولكنه كان يعترف بأنه كان يلعب "بلاي استيشن" وهذا هو سبب إعدامه، المفترض، في الفيديو، ويحكم المشهد المحاكاة بأن يرتدي المعترف القميص الأحمر ويرتدي حامل السكين اللثام الأسود، ولكن الفيديو لا يختتم بعملية الإعدام، بل بوصلة رقص بين الشابين على إيقاعات "النسخة الشعبية" من "صليل الصوارم".

وتقدم ثلاث فتيات فيديو آخر يحاكي عمليات الإعدام، ويستخدم اللباس الأسود والأحمر واللثام، وينتهي كذلك بوصلة رقص شرقي على إيقاعات نشيد الصليل المحدث.

ولم تتوقف المحاكاة الساخرة على فيديوهات الخلفية للنشيد ومشاهد الإعدام الدموية، بل امتدت إلى كلمات النشيد أيضا، حيث قام شبان باستخدام كلمات أغاني شهيرة، مثل "رصيف نمرة خمسة" للفنان المصري عمرو دياب كوسيلة إضافية للسخرية من نشيد الجهاديين، فأصبح مطلعه "صليل الصوارم.. والشارع زحام".


من الافتراضي إلى الواقعي

لم تقتصر الحملة الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي والواقع الافتراضي، بل تسللت منه إلى الواقع الحقيقي، فبدأ نشيد "صليل الصورام" في نسخته الشعبية (ذات الموسيقى الراقصة) يجد طريقه إلى الشارع، فقبل أيام سمعه صديق ينطلق من سماعة بائع شاب في شارع الشواربي التجاري المزدحم في وسط القاهرة.

وفي نفس التوقيت تقريبا، ظهر فيديو لفقرة ضمن عرس في دلتا مصر، في محافظة المنوفية تحديدا، ولأن احتفالات العرس في مصر تسمى "فرح"، فإنها تمتلئ بالفقرات الراقصة، ولأن ذلك العرس كان لعروسين من الطبقة الوسطى، فقد كان في قاعة مخصصة للأفراح وتعد فيها فرقة متخصصة الفقرات بإخراج فني شبه احترافي، وكانت إحدى الفقرات كالتالي: ملثمون يرتدون السواد ويحملون سيوفا خشبية يتقدمون من العروسين على إيقاعات نشيد "صليل الصوارم"، ثم يقودون العروسين إلى داخل قفص، يشبه قفص الكساسبة، ولكنه قد يرمز كذلك إلى قفص الزوجية، ويعطون الزوج سيفا، ثم يتوقف النشيد فجأة، لتبدأ أغنية راقصة للأطفال في العزف تقول كلماتها: "عمو حمادة عنده بطة بتعمل كدهه"، ليبدأ الجميع في الرقص بالسيوف وتحطيم القفص، في إشارة قد ترمز إلى تحطيم الخوف من الدواعش.

ورغم أن حصر الفيديوهات الساخرة من "صليل الصوارم" أصبح صعبا، بسبب تسارع الإبداع الشبابي في السخرية من النشيد، فإنه استخدم حتى الآن الأفلام الكوميدية المصرية والأغاني والرقص الشرقي ورقصة الدبكة اللبنانية، ووصل إلى الأفراح الشعبية ويبقى احتمال الامتداد مفتوحا.


هجمة ناجحة

قد نكون أولنا الحملة الساخرة على "صليل الصوارم" بأكثر مما تحتمل، ولكن الأكيد أن النشيد ومن خلفه والرسالة التي يسعى لبثها، تعرضوا جميعا لهجمة مرتدة في مصر، بدأت إلكترونية وسرعان ما امتدت إلى الشارع، وسرعان ما انتشرت إلى الدول العربية، هجمة سعت، ونجحت إلى حد كبير، للحط من أحد رموز الشحن المعنوية للدواعش، وبددت رسالتها المتمثلة في بث الخوف والرعب في النفوس.


(مصر)

المساهمون