اقرأ أيضاً: نص الاتفاق النووي أمام برلمان إيران "المتوجس"
وتحتاج مصادقة اللجنة العليا موافقة البرلمان الإيراني (بدون تصويت) الذي يسيطر عليه المحافظون، إضافة إلى بحث كل تفصيل جزئي في نص الاتفاق للتأكد من عدم تناقضه مع بنود قانون "حفظ المنجزات النووية" الذي أقره البرلمان أخيراً، ويهدف إلى الإشراف على تطبيق الاتفاق في مراحله المستقبلية.
وبموجب القانون نفسه، يتوجب على وزير خارجية البلاد ورئيس الوفد المفاوض، محمد جواد ظريف، تقديم تقارير عن تطبيق الاتفاق، فضلاً عن تفاصيل الاتفاق بحذافيره، وهي التفاصيل التي أقلقت بعض الجهات في البرلمان.
وحضر ظريف إلى البرلمان وقدم تقريره، خلال جلسة علنية عقدت في وقت مبكر من صباح أمس، وكان اللافت في خطاب الرجل تأكيد، أن هذا الاتفاق ليس الأمثل بالنسبة لطهران، ولكنه الأنسب، خلال المرحلة الحالية، كونه "الاتفاقَ المتاح"، حسب تعبيره.
وركز ظريف في كلمته على المكاسب والامتيازات التي حققتها طهران من خلال التوصل للاتفاق النهائي، إضافة إلى الأهداف التي تستطيع البلاد تحقيقها في المستقبل.
وذكر وزير الخارجية الفوائد السياسية والاقتصادية التي ستجنيها البلاد، فإلغاء العقوبات عن القطاعات التجارية والمالية والمصرفية وعن قطاع الطيران المدني، وضخ الأموال المجمدة بموجب العقوبات داخل السوق الإيرانية كلها كفيلة، بحسبه، بتحسين الأوضاع والظروف. وقال إنّ الاتفاق يسمح لطهران بلعب دور أكثر تأثيراً في العديد من ملفات المنطقة المعقدة. مشيراً إلى أن القيود التي فرضت على إيران كانت في مقابل مناسب.
وكان واضحاً تركيز ظريف على مباركة المرشد الأعلى، علي خامنئي، الاتفاق، في خطابه أمام البرلمان، وهو ما رأى فيه مراقبون محاولة لتسويق الاتفاق وردع انتقادات نواب البرلمان المتشددين.
وتطرق ظريف إلى النقاط المثيرة للجدل في الاتفاق، وفي المقدّمة موضوع تفتيش المنشآت العسكرية والعقوبات التي لم يلغِها الاتفاق والمتعلقة بالقطاع العسكري التسليحي، إذ بقي الحظر قائماً على أي أسلحة أو معدات أو تجهيزات عسكرية غير دفاعية مدة خمس سنوات، وعلى الصواريخ الباليستية مدة ثماني سنوات.
لكن ظريف رأى أنه حظر مؤقت سيرفع تدريجياً، وقد يسرع تعليقه بموجب تقارير ستقدمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية مستقبلاً، والتي ستؤكد عدم وجود أبعاد عسكرية لبرنامج طهران النووي. وقال إن هذه العقوبات تشمل الأسلحة غير الدفاعية، والأسلحة والصواريخ التي تمتلك قابلية حمل رؤوس نووية، وعلى هذا الأساس تستطيع طهران أن تحصل على التجهيزات الدفاعية التي تريدها، إضافة إلى الصواريخ الباليستية غير المعدة لأغراض نووية.
وعن تفتيش المواقع العسكرية وغير النووية، قال ظريف، إن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية نشاطات طهران بموجب هذا الاتفاق لن يسمح باستغلالها لمنح أسرار البلاد العسكرية والأمنية. مضيفاً أنه لن يسمح بتفتيش غير متعارف عليه للمواقع غير النووية.
وبعد موافقة مجلس الأمن الدولي بالإجماع على الاتفاق، صدرت تصريحات إيرانية على المستويين السياسي والعسكري. واتفق كل من قائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري، ووزير الدفاع، حسين دهقان، فضلاً عن مستشار المرشد الأعلى، علي أكبر ولايتي، على أن منظومة البلاد الصاروخية والعسكرية أمر غير قابل للتفاوض، وأكدوا سعيَ إيران إلى تطوير منظومتها الدفاعية في ظل كل التهديدات المتزايدة في المنطقة.
وشكلت هذه الشروط خطوط إيران الحمراء، التي ركزت عليها خلال المفاوضات على الاتفاق في الأشهر الماضية.
لكن من جهة ثانية، يشير بعضهم إلى نقاط غير واضحة في نص الاتفاق. وفي هذا الإطار، قال النائب، علي رضا زاكاني، إن هناك بنوداً غير دقيقة، تتعلق بإلغاء العقوبات أو إعادة فرضها على إيران. وكان ظريف قد ردّ على هذه النقطة تحديدا،ً قائلاً "إن أي إعادة فرض للعقوبات تعني إعفاء إيران من إجراء بعض تعهداتها أو كلها في الاتفاق نفسه".
وتشير التصريحات الإيرانية إلى محاولة تحقيق تناغم داخلي في إيران لتحقيق شروط تطبيق الاتفاق في النهاية، على الرغم من التوقعات، أن تثير هذه النقاط نفسها الحساسيات مع الغرب مستقبلاً.
من جهة ثانية، يثير سياسيون إيرانيون، في البرلمان خصوصاً، بعض البنود التقنية والفنية في الاتفاق. ويسود اعتقاد أن الوفد المفاوض قدم تنازلات عدة، فتقلصت نسبة تخصيب اليورانيوم من عشرين إلى 3.67 في المائة. فيما يرى بعضهم في تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي الفاعلة من تسعة عشر ألف جهاز إلى ستة آلاف وحسب، تنازلاً كبيراً. كما كانت هناك انتقادات للبند المرتطب بضرورة تخلص إيران من منتوجها في مفاعل آراك على الرغم من الاحتفاظ بعمله بالماء الثقيل.
وكان رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، جاهزاً للرد على كل التساؤلات الفنية في البرلمان؛ فهو من قاد المفاوضات التقنية في فيينا خلال الأسابيع الماضية. وركز صالحي في ردوده على نقطتين، أولها حاجة إيران إلى دخول سوق التنافس العلمي النووي من نواحيه الاقتصادية والتجارية؛ إذ إن طهران تنوي تصدير اليورانيوم المخصب ولو بنسبة قليلة كما تنوي بيع الماء الثقيل، وهذا أمر ممكن الحصول ببنود الاتفاق الفعلية.
ورأى صالحي، أنّ ما اعتبره بعضهم تنازلات وقيوداً أمر غير دقيق من الناحية التقنية، فطهران ليست بحاجة للفائض من البلاتينوم المنتج في مفاعل آراك، وهو المادة التي تسمح بإنتاج قنبلة نووية بكميات قليلة منها، كما أنها ليست بحاجة لتشغيل كل أجهزة الطرد المركزي، في وقت تستطيع فيه تأمين الوقود النووي للمفاعلات من الداخل والخارج على حدّ سواء، بموجب الاتفاق. وتساءل عن الغاية من تشغيل كل أجهزة الطرد من الجيل القديم، في وقت تريد فيه طهران تطوير جيل جديد من هذه الأجهزة، كما تريد تطوير آليات استخراج اليورانيوم والمواد الخام لتستخدمها جميعاً بعد انتهاء مهلة الاتفاق، أي بعد عشر سنوات تقريباً.
وبعد إجابات صالحي، بدت الأجواء أكثر إيجابية على الرغم من حذر عدد من النواب المتشددين في التعاطي مع هذه القضية، وعلى الرغم من التوقعات بأن تأخذ قضية التفتيش وحظر الأسلحة والصواريخ أبعاداً أكثر تشدّداً.
ولكن هذا لن يمنع البرلمان من فرض رقابة على آلية تطبيق الاتفاق سواء من الغرب أو من الحكومة الإيرانية. وصوت النواب خلال الجلسة نفسها لصالح تشكيل لجنة خاصة تعنى بمتابعة هذا الملف في المستقبل لتحقيق هذا الهدف.
لكن الجلسة الأهم ستكون تلك التي ستعقد في مجلس الأمن القومي في المستقبل القريب، وهو المجلس الذي يتولى مهمة الإشراف على المفاوضات النووية بالأساس. ومن الناحية القانونية، يفترض أن يدرس المجلس الاتفاق بشكل تفصيلي، خلال شهرين، كأقصى تقدير قبل أن يقرّ موافقة إيران على بدء التطبيق العملي للاتفاق.