حذرت "حركة النهضة" التونسية، أمس الأربعاء، من تداعيات التقرير الذي عرضته لجنة الحريات الفردية والمساواة، والذي تضمن اقتراحات تتعلق بقضايا شائكة وخلافية مثل المساواة في الإرث والحريات الجنسية والدفاع عن الأقليات وغيرها.
ولقي التقرير ردود فعل متباينة وعنيفة بين معسكرين، أحدهما يدافع عنه بقوة وآخر يعارضه بشدة أيضاً، بما يوحي أن هناك انقساماً شعبياً كبيراً بشأن هذا التقرير، حيث دعت جهات إلى عرائض إلكترونية شعبية لمساندة التقرير، وأخرى لرفضه.
وخرجت "حركة النهضة" عن صمتها، حيث شدّد بيان لها مساء أمس الأربعاء، على "حق الجميع أفراداً ومؤسسات وكل التونسيين في حريّة الرأي والتعبير والتفكير في إطار ما دعا إليه رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، وتتبناه "حركة النهضة" من أنّ تونس دولة مدنية لشعب مسلم ومن ثم البحث عن مقاربة في الحريات الفردية والمساواة تجمع بين الالتزام بأحكام الدستور، واحترام مقومات الهوية العربية الإسلامية لشعبنا، وذلك بعيداً عن السب وهتك الأعراض وكل غلو أو تطرف"، بحسب البيان.
ودعا المكتب التنفيذي للحركة إلى "لفت النظر إلى ضرورة الوعي بدقة المرحلة التي يمر بها مجتمعنا، وما يعتريه من توترات سياسية واجتماعية حارقة تتعلق بالحياة اليومية للمواطنين، خاصة ضعاف الحال منهم، كما نبه أيضا إلى مخاطر إثارة القضايا التي تدعو إلى الاستقطاب والانقسام وتغذي صراعات الهوية التي حسمها الدستور".
كما نبهت "حركة النهضة" مما تضمنه التقرير من بعض المسائل التي قد تهدد كيان الأسرة ووحدة المجتمع، مجددة تأكيدها على قيمة الحقوق والحريات والمساواة بين الجنسين، وعلى أهمية تعميق التشاور والحوار حول مضمون التقرير، معلنة أنها ستعبر عن موقفها بالتفصيل من هذا المشروع إذا ما تحول وتطور إلى مشروع قانون يعرض على مجلس نواب الشعب.
ويتضح أن الحركة تميل إلى رفض ما تضمنه هذا التقرير، بعد اتهامها بأنها بصدد تقديم تنازلات حول هذه المواضيع بهدف تلميع صورتها في الداخل والخارج.
ويعوّل خصومها باستمرار على اختبارها بشكل مستمر فيما يتعلق بقضايا المدنية، خصوصا بعد مؤتمرها الأخير الذي دعا إلى فصل الديني عن السياسي، كما يعوّلون على حشرها في زاوية وتعريتها أمام الرأي العام بهدف إظهارها في صورة الحزب التقليدي، الذي لم يتحول فعليا إلى حزب مدني، بحسب تعريفهم للمدنية، عكس ما يدعيه قياديّوها.
ويبدو أن هذا التقرير سيشكل اختباراً شعبياً مهماً، ليس للنهضة وحدها، وإنما لبقية الأحزاب أيضاً، وأن كثيرين قد يدفعون ثمن هذه المغامرة السياسية غير محسوبة العواقب، لكونها قضية بالغة الحساسية بالنسبة إلى التونسيين، وقد تتحول إلى أرضية ابتزاز سياسي وقاعدة يتم الفصل على أساسها بين الفاعلين السياسيين.
وتتزايد خطورة هذا الموضوع مع ارتفاع منسوب التوتر الشعبي الذي رافق صدور هذا التقرير في وسائل التواصل الاجتماعي، بين المدافعين والمعارضين للتقرير، حيث رافقته دعوات لتكفير أعضاء اللجنة وتهديدهم شخصياً، وتهديد كل من يدافع عنهم، بِمَا يطرح أسئلة حقيقية حول استعداد الساحة التونسية لمناقشة مثل هذه القضايا والتداول فيها بهدوء وروية، وقدرتهم على المحافظة على سلمية هذه النقاشات.