"الميثاق العالمي للهجرة الآمنة" في مراكش

10 ديسمبر 2018
مهاجر من غانا (ألكساندر كويرنر/ Getty)
+ الخط -
صدّق اليوم رسمياً على الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة، خلال المؤتمر الحكومي الدولي الذي نظّمته الأمم المتحدة في مدينة مراكش المغربية، والذي ينهي أعماله غداً. وغابت عن التوقيع الرسمي الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى كل من النمسا وتشيكيا وهنغاريا وأستراليا ولاتفيا وبولونيا والدومينكان وسلوفاكيا، التي رفضت التوقيع على ميثاق الهجرة، باعتبار أنه يمسّ بسيادتها. كما لم يحضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسبب احتجاجات "السترات الصفراء".

في المقابل، حضر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى مراكش، إضافة إلى وفود حكومية تمثّل 150 بلداً في العالم، و20 رئيس دولة وحكومة، لإقرار أول ميثاق عالمي للهجرة من نوعه، باعتبار أنّه يهم أكثر من 260 مليون مهاجر في العالم. والميثاق الذي وافقت عليه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة "وثيقة شاملة لإدارة الهجرة الدولية بطريقة فضلى، ومعالجة التحديات التي تواجهها، وتعزيز حقوق المهاجرين مع المساهمة في التنمية المستدامة". ويرتكز نصّ الاتفاق على ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما يعبّر عن "الالتزام الجماعي للدول الأعضاء بتحسين التعاون في مجال الهجرة الدولية".

وينصّ الميثاق بشكل واضح على أنه "لا يمكن لأية دولة التصدّي للهجرة بمفردها، في وقت تحمي سيادتها وتفي بالتزاماتها بموجب القانون الدولي". كما يقدّم الاتفاق العالمي إطاراً تعاونياً غير ملزم قانونياً مبنياً على الالتزامات التي حدّدتها الدول نفسها قبل سنتين في إعلان نيويورك للاجئين والمهاجرين.

وتضمّنت رسالة الملك المغربي محمد السادس، التي تلاها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أنه "ليس هناك مكان أنسب وأكثر رمزية لاحتضان هذا اللقاء التاريخي أفضل من أفريقيا، أرض التنقلات البشرية الأولى، ومن المغرب، أرض الهجرة والعبور والاستقبال". ويشدد على أن "مسألة الهجرة ليست ولا ينبغي أن تصبح مسألة أمنية. فإذا قامت على العقاب والقمع، لن يكون لها أي تأثير رادع، بل ستؤدي إلى نتيجة عكسية، وتغير مسارات حركات الهجرة، لكن لن توقفها". يتابع أنه "ينبغي ألّا تكون المسألة الأمنية مبرراً لخرق حقوق المهاجرين، كونها ثابتة وغير قابلة للتصرف، ذلك أن تواجد أي مهاجر في هذا الجانب أو ذاك من الحدود لا ينقص من إنسانيته وكرامته ولا يزيد منها. كما أن المسألة الأمنية لا يمكن أن تكون مبرراً لعدم الاهتمام بسياسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، التي تهدف إلى الحد من الأسباب العميقة للهجرة الناجمة أساساً عن هشاشة أوضاع المهاجرين. إضافة إلى ما سبق، فإنّ الاعتبارات الأمنية يجب ألا تمس بحرية التنقل والحركة، وينبغي أن تتحول إلى رافعة للتنمية المستدامة، خصوصاً في الوقت الذي يعمل فيه المجتمع الدولي على تحقيق خطة التنمية المستدامة 2030".



وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الذي انتخب رئيساً للمؤتمر الحكومي الدولي لاعتماد الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة، يقول إن المؤتمر التاريخي يعدّ تتويجاً لمسار طويل من المفاوضات انطلق عام 2016، من خلال تبني الأمم المتحدة إعلان نيويورك الخاص باللاجئين والمهاجرين. يضيف أن المؤتمر يجسد انخراط المجتمع الدولي في مواجهة تحديات الهجرة.

من جهتها، تقول الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالهجرة الدولية لويز أربور، لـ"العربي الجديد": "إقرار الميثاق العالمي للهجرة فوق أرض المغرب له أكثر من دلالة. الأولى أن أكثر بلدان العالم باتت تدرك مخاطر الهجرة غير النظامية، وضرورة توفير السبل لهجرة تكون أكثر أمناً تفادياً للكوارث الإنسانية. والثانية أن المغرب أحد أكبر الأمثلة على موضوع الهجرة غير النظامية، فقد تحول من بلد عبور إلى بلد استقبال، ولم يعد محطة يلجأ إليها المهاجرون من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء قبل التوجه إلى أوروبا وخصوصاً إسبانيا، بل صار بلداً يستقر فيه هؤلاء المهاجرون، ما دفعه إلى مواجهة الكثير من التحديات المرتبطة بهذه الهجرة، على رأسها محاربته الهجرة السرية عبر القوارب باتجاه الضفة الأوروبية".

وخلال المؤتمر وجّه غوتيريس رسائل ضمنية إلى البلدان التي رفضت التوقيع على الميثاق، خصوصاً الولايات المتحدة التي رفض رئيسها دونالد ترامب المصادقة على الميثاق لأنه يمس سيادة بلاده. وأكد غوتيريس أن "ميثاق مراكش" لا يلزم أحداً بما ورد فيه، لأنه ميثاق وليس معاهدة ملزمة للبلدان. وتوقع غوتيريس أن يشكل الميثاق العالمي للهجرة نقلة نوعية للحد من معاناة المهاجرين، قائلاً في الوقت نفسه إنه لا يتدخل في شؤون البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة، ولكل بلد الحق السيادي لتحديد سياسته الداخلية في التعاطي مع ملف الهجرة، وفق قوانينه المحلية والدولية.



ولفت غوتيريس إلى أن كثيرين يعتقدون أن الهجرة غير النظامية تمثل انتقال المهاجرين من بلدن الجنوب الفقيرة إلى دول الشمال الغنية، مبيناً أن هذا تصور خاطئ في الوقت الراهن، بدليل توجه آلاف المهاجرين من بلدان فقيرة إلى أخرى فقيرة أو في طريقها إلى النمو، أي أن الحركة تتم من بلدن الجنوب نحو بلدان من الجنوب أيضاً.

وتفيد إحصائيات حديثة صادرة عن المنظمة الدولية للهجرة بأن 3232 شخصاً قد ماتوا أو فقد أثرهم من جراء الهجرة عام 2018، غالبيتهم في سواحل البحر المتوسط. وخلال الشهر الماضي، أنقذ قارب صيد إسباني 12 مهاجراً كانوا عالقين في البحر لأكثر من أسبوع، بعدما أبحروا من ليبيا على متن زورق مطاطي.

ويواجه المغرب هجرة غير شرعية وغير آمنة، والمهاجرون إما مغاربة أو قادمون من بلدان أفريقية، يستخدمون "قوارب الموت" للوصول إلى إسبانيا، خصوصاً بعدما شددت السلطات الأمنية المغربية والاسبانية الخناق على السياج الشائك في حدود مدينتي سبتة ومليلية.
من جهة أخرى، أقدمت السلطات المغربية خلال ديسمبر/ كانون الأوّل 2016 على تدشين الحملة الثانية لتسوية أوضاع المهاجرين الأفارقة بعد الأولى التي انطلقت عام 2014.
المساهمون